الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلاح زابوروجيا الخفي.. كيف تدير روسيا تجارة ظل ضخمة من الحبوب في المناطق الأوكرانية الخاضعة لها؟

تصدير الحبوب من موانئ
تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا

تعد المهمة التي يقوم بها نيكيتا بوسيل، مؤسس فندقين وسلسلة مقاه في روسيا، كأحد أكبر مدبري عمليات إدارة الحبوب في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا جنوب شرقي أوكرانيا مهمة غير تقليدية.

فقد انتقل رجل الأعمال في بداية الصيف إلى منطقة زابوروجيا الأوكرانية التي أصبحت تحت سيطرة القوات الروسية بشكل جزئي في مارس الماضي، والتي أسس المسئولون الروس بها إدارة مدنية عسكرية مشتركة لحكمها، وتولى بوسيل منصب المدير العام لشركة تديرها الحكومة الجديدة والمشرف على حركة الحبوب.

تجارة الظل.. إلى أين تذهب حبوب زابوروجيا؟

وحسبما ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، فإن مقاطعة زابوروجيا هي إحدى أكبر مصادر إنتاج الحبوب في أوكرانيا وواحدة من أكبر مصدريها في العالم، وقد تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في نقص كبير في إمدادات الغذاء عالميا وبالتالي ارتفاع أسعاره.

وأظهر تحقيق أجرته الصحيفة عن تجارة الحبوب غير الشرعية خارج أوكرانيا، أن الشركات الخاصة والأذرع الاقتصادية للحكومة الروسية نفسها هي من تدير العمليات التي وصفتها الصحيفة ب "تجارة الظل"، حيث عثر فريق التحقيق الصحفي على وثائق تتضمن فواتير وبيانات البضائع وإيصالات وشهادات منشأ توضح المسار الورقي لشحنة حبوب من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى السوق العالمية.

وتتبع التحقيق رحلة شحنة محملة بـ 2.675 طنا متريا من القمح المطحون مدعومة بصور التقطها قمر صناعي، وبيانات جهاز الإرسال والاستقبال وتحديد مواقع القوارب في شمال تركيا، وتمكنت الصحيفة من إجراء مقابلات مع المهربين والتجار.

وتسلط هذه الشحنة الصغيرة الضوء على الكيفية التي تدار بها هذه التجارة غير الشرعية، وكيفية تعاون المؤسسات الروسية لدعم الشركات المنخرطة فيها، وقد أنشأ المسئولون الروس في الأقاليم الأوكرانية المحتلة ما يعرف بـ "الهيئة الحكومية لإدارة الحبوب"، لإدارة ما قالوا لوسائل الإعلام الحكومية الروسية إنه أكثر من 1.5 مليون طن من مخزون الحبوب، كما توقع المسئولون الروس زيادة حصيلتها بمقدار مليون طن إضافي في موسم الحصاد القادم، مما يضاعف أرباحها.

هيئة إدارة الحبوب.. ذراع روسيا للتجارة في الحبوب الأوكرانية

لكن الحديث عن مثل هذا الكيان في وسائل الإعلام المحلية الروسية يكتنفه الغموض، حيث إنه غير مقيد في سجلات التجارة الرسمية في أوكرانيا أو روسيا، وتقول وثيقة التأسيس إنه تأسس في 15 مايو الماضي كمقر للإدارة المدنية العسكرية المشتركة للمنطقة، بهدف شراء الحبوب من المزارعين المحليين وتصديرها، وأشارت الوثيقة إلى أن أرباح هذه التجارة تعود لهذه الشركة الحكومية وبالتالي فإنها تصب في صالح دعم الحكومة الموالية لروسيا في مقاطعة زابوروجيا.

وكانت الهيئة الحكومية لإدارة الحبوب قد أعلنت عن نشاطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودعت المزارعين للتعاون معها من خلال بيع الحبوب مقابل أسعار محددة، وظهر بوسيل في مقطع مصور وهو يقف بجوار قطار روسي محمل بالحبوب في إطار الحملة الإعلانية التي أطلقتها الهيئة، وأشار التعليق الصوتي المصاحب للمقطع إلى أن المزارعين حصلوا على الدعم وأن القطار سينطلق إلى روسيا وتركيا وسوريا وإيران.

وأخبر ملاك المزارع والمشرفون عليها في المناطق الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية فريق تحقيق فاينانشال تايمز أن الهيئة تبيع الحبوب بعد سرقتها من مستودعاتهم أو حصادها من الأراضي التي كانت في حوزتهم قبل الحرب، وقال مدير إحدى المزارع في بلدة بيرديانسك، وهي ميناء يقع في مقاطعة زابوروجيا إن الروس صادروا المزرعة وشكلوا حكومة وشركة صوريتين مدعين أنهم سيتولون التعامل بشأن مشتريات الحبوب، وأضاف مدير المزرعة الذي فضل عدم كشف هويته، أن الروس يسيطرون على المخازن ويديرون أنشطتهم التجارية بكل حرية، ولم يعد أمام المزارعين خيار، فإما أن يسلموا الحبوب وإما أن تؤخذ منهم عنوة.

وثائق تكشف مسارات الحبوب الأوكرانية

ويعد الكيان المعروف باسم الهيئة الحكومية لإدارة الحبوب واحدًا ضمن عدة نقاط لتجميع الحبوب، وهو لا يزال قيد التشغيل، حيث ينشر أسبوعيا قوائم أسعار الطن لمختلف المنتجات الزراعية التي يعتزم شراءها من المزارعين، الذين قالوا في أغسطس الماضي إن المنطقة تصدر ما يقرب من 5000 طن من الحبوب يوميا عبر السكك الحديدية وما يتراوح بين 1500 و2000 طن عبر الطرق البرية يُشحن معظمها إلى موانئ شبه جزيرة القرم.

وعثر فريق التحقيق على وثيقة منشأ موقعة من السلطات الموالية لروسيا في بيرديانسك تثبت أن الحبوب آمنة وصحية ومعالجة بشكل مناسب، لإقناع المشترين المحتملين بسلامتها، كما عثر على وثيقة موقعة من القبطان فيكتور سمولسكي قائد السفينة "باول" السورية يعلن فيها بعبارة مقتضبة باللغة الإنجليزية إتمام شحن سفينته.

ومن الجدير بالذكر أن الشحن يتم على عدد قليل من السفن في ميناء بيرديانسك تجنبا للمخاطر، حيث يمكن أن تتعرض السفن لعقوبات في حال رصدتها السلطات الأوكرانية التي تنشط في تعقب أنشطة التجارة غير الشرعية للحبوب المسروقة.