الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة سياسية للسيطرة على منصة القضاء .. تحركات من بايدن لنزع سطوة ترامب على المحاكم الفيدرالية بأمريكا

بايدن وترامب
بايدن وترامب

المتعمق في دهاليز السياسة الأمريكية، وأبعاد الصراع السياسي بين حزبي السلطة – الديمقراطي والجمهوري – يدرك عمق أكذوبة فصل القضاء عن الشأن السياسي داخل أنظمة الحكم، وكون أمريكا يطلق عليها "منارة الديمقراطية"، فإن ما يحدث بها من صراع كبير للسيطرة على مفاصل القضاء الفيدرالي بين كلا الحزبين يكشف حقيقة أن للسلطة التنفيذية اليد الطولة بتوجيه دار العدالة داخل أي دولة وهي القضاء.

 

ويبدوا أن أمريكا قبل وصول ترامب للسلطة، تختلف تماما عن أمريكا من بعدها، وفي سعيه لنزع سطوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والجمهوريين عن منصة القضاء الفيدرالي – بعد تعيين الكثير من القضاة المحافظين بفترة حكمه -  بدأ الرئيس الأمركي جو بايدن في خطته بتعينات منتقاة للقضاة داخل المحاكم الفيدرالية غلب عليها الطابع العرقي والنساء، وأصحاب الفكر القريب من أفكار الحزب الديمقراطي، في خطة محكمة داخل أروقة لجان مجلس الشيوخ الأمريكي.

 

ويتحمل القضاة الفيدراليون مسؤولية فريدة في نظام الحكم الأمريكي لأن لديهم تعيينات مدى الحياة، وغالبا ما يخدمون على مقاعد البدلاء لعقود من الزمن ، ويقدمون قرارات واسعة النطاق بشأن كل شيء من الوصول إلى الإجهاض إلى السياسة البيئية إلى سلامة السلاح، وغالبًا ما تكون محاكم الاستئناف الفدرالية الحاسمة بمثابة المحطة الأخيرة قبل إحالة القضية إلى المحكمة العليا.

 

 

تحركات عامين من حكم بايدن  

 

 

المتابع لملف القضاء الأمريكي خلال العامين الماضيين، فسوف يلحظ أن المحاكم الفيدرالية الأمريكية تبدوا مختلفة تمامًا عما كانت عليه قبل عامين، فمنذ توليه منصبه ، جعل جو بايدن من أولوياته القصوى تعيين قائمة متنوعة من المرشحين القضائيين الذين ساعدوا في تغيير وجه نظام المحاكم في البلاد، وذلك وفقا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية.

 

وخلال تلك الفترة، استخدم الديمقراطيون أغلبيتهم الضيقة في مجلس الشيوخ لتأكيد ما يقرب من 100 من المرشحين القضائيين لبايدن - بما في ذلك القاضية كيتانجي براون جاكسون ، أول امرأة سوداء تعمل في المحكمة العليا، وهي الخطط التي عززتها حفاظالديمقراطيين على السيطرة بمجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية التي جرت بنهاية هذا العام، حيث أصبح الديمقراطيون في وضع جيد لتأكيد المزيد من القضاة الفيدراليين في العامين المقبلين، وإن كان أمام بايدن طريق طويل ليقطعه، وذلك قبل أن يتمكن من مضاهاة التأثير التاريخي لدونالد ترامب على القضاء الفيدرالي.

 

 

ترشيحات بايدن .. 75% نساء و65% من الملونين

 

 

تعد تحركات بادين لتأكيد تعيين القضاة الليبراليين للمحاكم الفيدرالية اول عام بحكمه في 2021، هي الأكثر من أي رئيس منذ جون إف كينيدي، وذلك وفقا لتحليل راسل ويلر من معهد بروكينغز، والذي أشار إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز سجل بايدن لمدة عامين في التأكيدات القضائية معظم أسلافه الجدد.

 

وبتحليل مفصل لترشحيات بادين لتلك المناصب نجد أنهم بالإضافة إلى عددهم الكبير، فإن المرشحين القضائيين لبايدن معروفون بتنوعهم العرقي والجنساني والمهني - لا سيما بالنظر إلى المدة التي سيطر فيها الرجال البيض على أعلى المحاكم الأمريكية – حيث نجد أن ما يقرب من 75% من المرشحين للمحكمة من النساء، وحوالي 65% منهم من الملونين، كما أشار بايدن إلى ترشيح العديد من المدافعين العامين السابقين ومحامي الحقوق المدنية، الذين كانوا تاريخياً ممثلين تمثيلاً ناقصاً بين القضاة الفيدراليين.

 

 

توازنات دقيقة داخل مجلس الشيوح لتمرير تلك الترشيحات

 

 

وبالرغم من أن تلك الترشحات تعود إلى بايدن، إلا أنها كان لا يمكن أن يكتب لها النجاح دون جهود نوابه من الديمقراطيين داخل مجلس الشيوخ الأمريكي، المنوط به إقرار أو رفض تلك الترشيحات، وبالفعل نجح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ، تشاك شومر ، في تقديم عشرات من ترشيحات بايدن من خلال المجلس على الرغم من جهود الجمهوريين لمنع أو على الأقل تأخير التأكيد.

 

ولأن مجلس الشيوخ انقسم بالتساوي خلال العامين الماضيين ، شغل الديمقراطيون والجمهوريون نفس عدد المقاعد في اللجنة القضائية، وبالفعل نجح الجمهوريونباستخدام تلك السلطة المقسمة بالتساوي لخلق مأزق بشأن تصويت اللجان وإجبار الديمقراطيين على نشر إجراءات إجرائية إضافية تستغرق وقتًا طويلاً للموافقة على الترشيحات القضائية، ولكن مع فوز رافائيل وارنوك في انتخابات جورجيا الخاصة هذا الشهر،والتي بموجبها سيحصل الديمقراطيون على مقعدإضافي باللجنة القضائية، وحينها سيكون للديمقراطيين أغلبية في لجان مجلس الشيوخ.

 

 

هذا ما فعله ترامب في حقبة حكمه

 

 

وبالنظر إلى حجم التأثير الذي تركه ترامب داخل تركيبة المحاكم الفيدرالية بأمريكا، فإنه لايزال أمام الديمقراطيين جهد كبير لمطابقة سجل ترامب القضائي، فخلال فترة ولايته الفردية، أعاد ترامب تشكيل القضاء الفدرالي، وعين قضاة محافظين للغاية في بعض أكثر المحاكم نفوذاً في البلاد، هذا بالإضافة إلى قضاة المحكمة العليا الثلاثة، فقد عين ترامب 54 قاضيًا استئنافًا فيدراليًا و 174 قاضيًا في محكمة المقاطعة ، وهو ما يمثل أكبر مجموع لمدة ولاية واحدة لأي رئيس منذ جيمي كارتر.

 

كان ترامب قادرًا على تعيين العديد من القضاة المحافظين جزئيًان وذلك بسسب الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ، ميتش ماكونيل، والذي رفض النظر في العديد من مرشحي باراك أوباما في العامين الأخيرين من رئاسته، وتلك الممارسة مكنت ترامب من ترشيح قاضٍ واحد في المحكمة العليا وشغل عدة مقاعد في محاكم الاستئناف الفيدرالية بمجرد توليه منصبه، وبحلول الوقت الذي تنحى فيه ترامب عن منصبه، كان قد رشح أكثر من ربع القضاة الفيدراليين العاملين.

 

 

وظهرت تأثيرات تعيينات ترامب على أحكام القضاء الأمريكي

 

 

ويبدوا أن تأثير تعيينات ترامب داخل القضاة قد ظهرت عبر أحكام هؤلاء القضاة المحسوس في جميع أنحاء البلاد، ففي سبتمبر، أثار قاض تابع لترامب موجة غضب من خلال الموافقة على طلب الرئيس السابق أن يكون لديه "سيد خاص" يتعامل مع الوثائق السرية التي استولى عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي من ممتلكاته، ولعب المعينون من قبل ترامب أيضا دورا رئيسيا في عرقلة سياسات إدارة بايدن بشأن الاستجابة لوباء فيروس كورونا والتعامل مع الحدود الأمريكية المكسيكية.

 

وكانت بصمة ترامب في القضاء محسوسة بشدة في المحكمة العليا ، حيث تم تعيين ثلث القضاة من قبل الرئيس السابق، ففي العام الماضي، حدت المحكمة من قدرة الحكومة الفيدرالية على وضع سياسة المناخ وألغت قانون نيويورك الذي يهدف إلى تنظيم حمل الأسلحة النارية في الأماكن العامة، وجعلت هذه الأحكام الديمقراطيين أكثر تصميما على ترك بصمتهم الدائمة على القضاء الفيدرالي، وقد يكون مجلس الشيوخ قادرا على تخصيص المزيد من الوقت لهذا الجهد ابتداء من الشهر المقبل.

 

 

سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب ستساهم بتنفيذ خطة بايدن!!

 

 

وربما يظن البعض أن سيطرة الحزب الجمهوري على أغلبية مجلس النواب الأمريكي، قد تعيق جهود بادين بملف القضاة، ولكن المدرك لتفاصيل إقرار القوانين والقرارات الأمريكية، يدرك أن تلك السيطرة، قد تساهم بفاعلية لتطبيق تلك الخطة بالسيرطة على القضاء خلال العامين المقبلين، حيث أنه بمجرد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب في يناير القادم، من المحتمل أن تفشل العديد من مشاريع القوانين التي أقرها مجلس الشيوخ في مجلس النواب، وذلك مع توقف جدول أعمالهم التشريعي، ولكن هناك قد يوجه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ اهتمامهم بشكل أكبر إلى تقديم الترشيحات القضائية ، والتي لا تتطلب موافقة مجلس النواب.

 

وتوقع المراقبون للشأن التشريعي بأمريكيا، أنه سيكون هناك تقليل كبير من التشريعات في السنوات القليلة المقبلة، ولكن هذا من الممكن أن يعط مجلس الشيوخ الكثير من الوقت للتركيز على الترشيحات القضائية، خصوصا مع الأغلبية المطلقة للديمقراطيين، حيث سيكونون قادرين على استخدام ذلك الوقت بكفاءة عالية.

 

 

نظرة سريعة عن النظام القضائي الأمريكي

 

 

النظام القضائي الأميركي نظام معقد، والسبب الرئيسي وراء التعقيد هو أن البلاد تكونت أصلا من ولايات مستقلة، وكان من الواجب توفير نظام قضائي لديه الإمكانية والأدوات لضمان تحقيق العدالة عبر أراضي الدولة، وفي الوقت نفسه منح الولايات هامشا كبيرا من الاستقلال في اتخاذ القرارات وتطبيقها قضائيا وإداريا.

 

بالإضافة إلى المحكمة العليا التي تعتبر أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، التي يتجاوز بعض جوانب اختصاصها السلطة الدستورية للكونجرس ويمكنها إيقاف قراراتها، أنشأ الكونغرس 13 محكمة استئناف والتي يطلق عليها أيضا محاكم الدوائر، ويوجد في الولايات المتحدة 12 محكمة استئناف إقليمية يعمل بها 179 قاضي استئناف مفوّضا.

 

وهذه المحاكم مسؤولة عن بحث القضايا المستأنفة من محاكم المقاطعات الفدرالية (وفي بعض الحالات، من الوكالات الإدارية) داخل حدود الدائرة، وأنشئت عام 1982 محكمة استئناف متخصصة هي الدائرة الفدرالية، كما يوجد محاكم المقاطعات التي أنشئت بموجب قانون تنص مادته الثانية على إنشاء 13 محكمة مقاطعة في عام 1789، لكنها ارتفعت أعداد المقاطعات وصلاحيتها مع دخول باقي الولايات الاتحاد الجديد، كما وصل عدد القضاة الذين يعينون على رأس كل محكمة إلى 649 عام 1990، فلدى جميع المقاطعات أكثر من  قاض واحد،

 

كما يشمل النظام القضائي الأميركي محاكم دستورية وأخرى تشريعية، والمحاكم الدستورية تضم كلا من المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف ومحاكم المقاطعات الفدرالية، في حين تضم المحاكم التشريعية محكمة الاستئناف العسكرية الأميركية، ومحكمة ضرائب الولايات المتحدة، ومحكمة استئناف قدامى المحاربين.

 

ولدى الولايات المتحدة أيضا منذ عام 1968 نظام قضاة الصلح، التي يطلق عليها أيضا قضاء التحكيم الابتدائي، والهدف من إنشائه تلبية احتياجات كل محكمة مقاطعة، حيث يقوم قضاة محاكم المقاطعات بتعيين قضاة الصلح لثمان سنوات، مع إمكان عزلهم، ويحددون لهم واجباتهم ومسؤولياتهم. لا يتم تعيينهم من طرف الرئيس أو الموافقة من قبل مجلس الشيوخ، وسلطتهم مستمدة من المادة الأولى.