الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سرطان التهم 85% من فلسطين.. قصة قرارات الاستيطان الإسرائيلي الجديدة من الكابيتون إلى مجلس الأمن

الاستيطان الإسرائيلي
الاستيطان الإسرائيلي

"من أمن العقوبة أساء الأدب" .. تلك الكلمات التي قالها عبد الله بن المقفع في ترجمته الشهيرة للكتاب الحِكمي الشهير (كليلة ودمنة)، الذي ألفه الفيلسوف الهندي (بيدبا)، هى أدق تعبير عن ممارسات الكيان الإسرائيلي، خصوصا بعد القرار الذي صدر الأسبوع الماضي بشرعنة عدد من المستوطنات بالضفة الغربية وتوسغ مستطونات أخرى، وجاء الأمان من العقوبة عبر فيتو الولايات المتحدة الأمريكية ضد أي قرار ضد تصرفات إسرائيل حتى ولود إدانة فقط.

 

وتظل قضية الاستيطان أحد أكبر العوائق أمام إحلال السلام في القضية الفلسطينية، وذلك مع استمرار سياسة فرض الأمر الواقع لعرقلة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحل الدولتين، وذلك بعد أن تآكلت مساحة الأرض من أرض فلسطين، والمعروفة بـ"حدود 67"، في بناء عشرات المستوطنات على تلك الأرض، خصوصا داخل الضفة الغربية.

 

والاستيطان الإسرائيلي هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى حركة استيطان استعماري يهودي في ظل الكيان الصهيوني، حيث يشير إلى النشاط العمراني وإنشاء تجمعات سكانية يهودية حديثة على أرض فلسطينية، سواء كان ذلك على الأرضي المملوكة لفلسطينين كأشخاص داخل حدود أراضي 48، أو كافة أراضي فلسطين في حدود 1967.

 

 

قرار مجلس الوزراء المتطرف  المثير للجدل

 

 

التطور الجديد بملف الاستيطان كان الأسبوع الماضي، وذلك عندما قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت)، بإضفاء الشرعية على 9 بؤر استيطانية عشوائية بالضفة الغربية، وعقب الاجتماع الوزاري، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنه سيتم التصديق خلال الأيام المقبلة على بناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنات الضفة، فيما أشار وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى أن عددها سيبلغ 10 آلاف وحدة.

 

وكذلك صادقت لجنة وزارية حكومية لشؤون التشريع، على مشروع قانون لإلغاء قانون "فك الارتباط" لعام 2005، والذي تم بموجبه الانسحاب من مستوطنات بالضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة لعدد من مستوطنات الضفة، وذلك بالإضافة إلى مزيد من الدعم لقوات الشرطة والجيش، وتنفيذ اعتقالات واسعة النطاق، وحملات لجمع الأسلحة غير القانونية، وفقًا لبيان المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في إسرائيل.

 

ووفقا لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية يوجد بالضفة الغربية 77 بؤرة استيطانية "غير قانونية" وأن الموافقة صدرت على 9 منها بناء على طلب بن غفير، ويعتبر الاستيطان غير قانوني بموجب القانون الدولي لكن الاحتلال الإسرائيلي يرى أن هناك فرقا بين البؤر العشوائية التي تبنى من دون إذنها وتلك التي وافقت عليها ويقطن فيها نحو 475 ألف مستوطن، أغلبهم متطرفون.

 

 

نداء فلسطيني واستجابة دولية 

 

وعقب صدور القرارات، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية، بمواقف دولية رادعة وقوية ضد قرارات الكابينت الإسرائيلي، وقالت الوزارة، إن قرارات حكومة الاحتلال، تستدعي ردود فعل دولية أقوى تخرج عن سقف ردود الفعل المألوفة والاعتيادية التي باتت يتعايش معها الاحتلال، وطالبت بترجمة المواقف وردود الفعل الدولية والأميركية إلى إجراءات وخطوات عملية ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها وتضمن وقف تنفيذها فورا.

 

وكرد فعل فوري استجابة للنداء الفلسطيني، قال وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الثلاثاء الماضى، إنهم منزعجون بشدة بسبب إعلان الحكومة الإسرائيلية بشأن المستوطنات، وقال الوزراء في بيان مشترك صدر في ألمانيا: " نحن نعارض بشدة هذه الإجراءات الأحادية الجانب التي لن تؤدي إلا إلى تفاقم التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتقويض الجهود المبذولة لتحقيق حل الدولتين المتفاوض عليه".

 

القرار العربي .. روتينية الطرح 

 

وفي إجراء روتيني تم الاعتياد عليه، اقترحت دول أعضاء في مجلس الأمن مشروع قرار يدعو إلى الوقف "الفوري للأنشطة الاستيطانية" الإسرائيلية، وتقول مسودة القرار إنه "يؤكد مجددا أن إنشاء إسرائيل مستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، ليست له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكا للقانون الدولي، ويدين كل محاولات الضم، بما في ذلك القرارات والإجراءات التي تتخذها إسرائيل بخصوص المستوطنات، ويدعو إلى انسحابها الفوري".

 

كما يدعو مشروع القرار الذي وزّعته الإمارات العربية المتحدة، إلى "الوقف الفوري والكامل لأنشطتها الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وبينها القدس الشرقية، ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن خلال هذا الأسبوع لبحث النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن ليس مؤكدا بعد ما إذا كان النص سيُطرح للتصويت خلال هذا الاجتماع، بحسب دبلوماسيين.

ونقل ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عنه "قلقه الشديد" إزاء القرار الاسرائيلي الصادر الأحد، مذكّراً بأن "كل المستوطنات غير شرعية بنظر القانون الدولي وتشكّل عقبةً رئيسيةً أمام التوصّل إلى السلام".

 

الولايات المتحدة تنديد أولا ثم إعاقة المحاسبة 

 

وفي رد الفعل على قرار الحكومة الإسرائيلية، أعرب البيت الأبيض الخميس عن "استيائه الشديد" من الخطط الإسرائيلية لشرعنة هذه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارين جان-بيار إنّ "الولايات المتحدة تعارض بشدة هذه الإجراءات الأحادية الجانب التي تزيد من التوترات وتضر بالثقة بين الطرفين".

ولكن في ذات الوقت قررت واشنطن تعطيل أي إدانة أممية لإسرائيل، حيث أعربت الولايات المتحدة الخميس عن عدم رضاها على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لكن في الوقت نفسه، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لا تدعم مشروع القرار المقترح في مجلس الأمن، وقال مساعد المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل "نعتقد أنّ طرح هذا القرار غير مفيد في تعزيز الشروط اللازمة للمضيّ قدماً في مفاوضات حلّ الدولتين، مثلما نعتقد أنّ الأخبار التي أتت من إسرائيل الأسبوع الماضي  (حول تشريع البؤر الاستيطانية التسع) غير مفيدة".

 

كم قضم الاستيطان من أرض فلسطين؟

 

تسبب الاستيطان المتواصل في تقليص مساحة فلسطين التاريخية، فلم يبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بنحو 27 ألف كيلومتر مربع، حيث تستغل إسرائيل أكثر من 85% من المساحة الفعلية، وتعود بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين إلى عام 1859 عندما اشترى اللورد موزس مونتفيوري مساحة من الأرض خارج أسوار القدس، وبدأ البناء فيها لتكون حيا لليهود سمي باسمه، ثم تمكن من بناء سبعة أحياء أخرى حتى سنة 1892، ثم تواصلت سياسة توسيع الاستيطان التي التهمت أراضي الفلسطينيين. 

 

وتظهر الأرقام تطور عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 240 ألفا عام 1990 إلى نحو ثمانمئة ألف مستوطن عام 2016، وبلغ عدد المستوطنين 324432 عام 1997 ثم ارتفع الرقم إلى 377903 عام 2000، ثم إلى 450162 عام 2004، وقفز إلى 714281 عام 2014، وبلغ الرقم 796164 عام 2016، ويتوزع المستوطنون على نحو 196 مستوطنة و232 بؤرة استيطانية موزعة في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس.

 

وتشكل المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وبشكل أوضح فإن 68% من مساحة المنطقة "ج" في الضفة تمت السيطرة عليها لمصلحة المستوطنات، وهي المنطقة التي تضم 87% من موارد الضفة الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.، ويُسمح للفلسطينيين باستخدام أقل من 1% من تلك المنطقة بحجة أن أراضيها "مناطق عسكرية" أو "مناطق خضراء" أو "أراضي دولة" أو "أراضي مستوطنات".

 

نهب الأراضي بعد 1967

 

وبعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، قامت سلطات الاحتلال بنقل ملكية الأراضي التي كانت تديرها السلطات الأردنية والأراضي المسجلة بأنها أراضي دولة منذ العهد العثماني، ونقلت لها سلطة التصرف بهذه الأراضي، وكانت مساحة هذه الأراضي في ذاك الوقت ما يقارب 527 ألف دونم أي نحو 9% من إجمالي مساحة الضفة، ثم ارتفعت إلى نحو سبعمائة ألف دونم، أي 12% من المساحة مع نهاية عام 1973 حيث أضافت سلطات الاحتلال أكثر من 160 ألف دونم كأراضي دولة.

 

واستمرت سياسة نهب الأراضي، ففي عام 1968 جمدت إسرائيل عمليات تسجيل الأراضي للفلسطينيين وأصدرت أوامر عسكرية فرضتها على المواطنين الفلسطينيين ما أدى بين الأعوام 1979-2002 إلى الإعلان عن أكثر من تسعمائة ألف دونم جديد (16%) من أراضي الضفة كأراضي دولة.


-