بعد انقسام دام سنوات، عانى خلالها المهاجرون غير الشرعيين، توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى قواعد جديدة للتعامل مع ملف الهجرة نهاية الأسبوع الماضي، ومن المنتظر أن تدخل تلك القواعد حيز التنفيذ فوراجتياز المفاوضات النهائية مع البرلمان الأوروبي لتدخل حيز التنفيذ، وقد وصفت تلك الاتفاقية الجديدة بأنها تاريخية، وذلك لتحقيق التوافق بين الدول الحدودية "جنوب أوروبا"، والتي كانت معنية باستقبال المهاجرين، وبين باق دول أوروبا، وكذلك وضعت الاتفاقية آلية جديدة أكثر صرامة وسرعة في التعامل مع المهاجرين المكدسين داخل مراكز الإيواء بالدول الحدودية.
ووفقا للاتفاق الجديد، فإن كل دولة أوروبية ملزمة بقول عدد سنوى من المهاجرين وفقا لقواعد معمةة، وفي حالة الرفض تكون ملزمة بدفع مبالغ مالية نظير كل طلب مرفوض في الصندوق الأوروبي، وكذلك تسمح القواعد الجديدة بإطلاق حرية أكبر لدول المواجهة "الحدودية"، في اتخاذ إجراءات لجوء أكثر صرامة على الحدود لأولئك الذين يُعتبر من غير المحتمل قبولهم، في المقابل يرى دعاة الهجرة أن هناك قلق من أن توسيع عمليات فحص اللجوء على الحدود سيؤدي ببساطة إلى تكاثر عدد مراكز الاحتجاز غير الإنسانية.
21 دولة توافق على اتفاقية تاريخية تعطل 10 سنوات
في وقت متأخر من يوم الخميس، دفعت 21 دولة في الاتحاد الأوروبي بما وصفته باتفاقية "تاريخية" لإعادة تشكيل - لأول مرة منذ سنوات - كيفية تعامل القارة مع طالبي اللجوء وإعادة توطينهم، فبشق الأنفس توصلت الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إلى اتفاق على تقاسم أعباء طالبي اللجوء بعد مفاوضات مضنية نجحت في دفع إيطاليا واليونان للانضمام إلى اتفاق استعصى على التكتل لما يقرب من عشر سنوات
وقد استغرقت مفاوضات وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 في اجتماعهم في لوكسمبورغ الخميس (التاسع من يونيو 2023) اليوم بطوله حتى اتفقوا علىصيغة للإصلاح الشامل لإجراءات اللجوء وملف الهجرة المطروحة منذ سنوات، وبعد جهد جهيد وافقت دول الاتحاد الأوروبي الكبيرة مثل ألمانيا وإيطاليا على مشروع الاصلاحات، بينما امتنعت دول صغيرة، وفي النهاية، لم يحظ القرار بالإجماع، غير أنه حصل على أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء، التي تمثل 65 بالمائة على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي، وقد صوتت بولندا والمجر (هنغاريا)، اللتان ما زالتا لا تريدان الامتثال لقواعد الهجرة المشتركة في الاتحاد الأوروبي، ضد القرار.
مراحل الفرز وفق معايير محددة
وفقًا للاتفاق، وحسب ما جاء بصحيفة بوليتيكو الأمريكية، فسيحتوي نظام اللجوء الجديد في الاتحاد الأوروبي على طريقين: إجراء فرز لجوء أكثر صرامة يتم إجراؤه على الحدود مباشرةً، وقد يشمل فترة احتجاز قصيرة، وعملية أخرى أكثر تساهلاً، حيث سيحدد الفرز المسبق أين يذهب كل شخص، والعامل الحاسم، هو ما إذا كان المسؤولون يعتقدون أن المهاجر لديه فرصة للقبول أم لا.
وهنا ينقسم المهجرون إلى صنفين، الأول، هم من لديهم فرصة لقبول أوراق قبولهم، وهؤلاء ينتقلون إلى المرحلة التالية من إجراءات طلب الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية، فيما يدخل الصنف الثاني، وهم الذين ليس لديهم فرصة للحصول على الحماية نظراً لأنهم ينحدرون من دول آمنة نسبياً، وينطبق هذا الأمر على جميع البلدان التي يقل معدل الاعتراف بلجوء مواطنيها في الاتحاد الأوروبي عن 20 بالمائة كباكستان وألبانيا وبعض دول أفريقيا.
بـ12 أسبوع "الإعادة أو الذهاب لدولة ثالثة"
وعن كيفية التعامل مع الصنف الثاني، وهم الغير مقبولين، سيكون أمام الدول الحدودية خيارين، يتم حسمهما في غضون 12 أسبوعاً كحد أقصى ومن ثم العمل على ترحيلهم، وهنا يكون التحريل، إما إلى دولهم الأصلية، أو إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي تسمح بذلك، وفق اتفاقيات يبرهما الاتحاد الأوروبي مع تلك الدول، وتلك الخطوات تطلق عليها إجراءات المسار الأكثر صرامة.
ولكن في تنازل رئيسي لدول جنوب أوروبا، سيسمح للحكومات بتجميد البروتوكول الأكثر صرامة إذا وصل إلى عتبة معينة من المتقدمين، ومن المقرر أن يبدأ هذا الرقم عند 30.000 في الاتحاد الأوروبي ومن المتوقع أن يرتفع كل عام حتى يصل إلى 120.000. ضمن هذا الرقم ، سيكون لكل بلد عتبة خاصة به، وبمجرد الوصول إلى الحد الأقصى ، سيتم تجميد الإجراء الأكثر صرامة.
الدول المُرحِّلة هي من تقرر .. وتشمل الاطفال والقصر
ووفق القواعد الجديدة، يمكن إرجاع طالبي اللجوء المرفوضين من الحدود الخارجية للاتحاد بسرعة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد ثالث، وفي المستقبل، يتعين أن تكون الدول المُرحِّلة، أي اليونان وإيطاليا، قادرة على أن تقرر بنفسها ما إذا كان الوضع في الدول التي يتعين الترحيل إليها مناسبة أم لا، وسينتهي العمل بالقائمة الموحدة للدول الآمنة التي يقرها الاتحاد الأوروبي وتنطبق على جميع دوله، وكذلك ستنطبق الإجراءات الجديدة على الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم، ما أثار انتقادات من جانب حزب الخضر الشريك في الائتلاف الحاكم في برلين. وعلقت وزيرة الداخلية نانسي فيزر في بيان على الانتقادات بالقول إنها ستستمر في الدفاع عن حقوق الأطفال واستثناء بعض الحالات الصعبة من الإجراءات، ومن غير الواضح ما إذا كان هذا سيرضي حزب الخضر.
وقدأثبت هذا الموضوع في النهاية أنه الأكثر صعوبة في المفاوضات، حيث تقاتلت ألمانيا وإيطاليا حتى النهاية المريرة، وانتهى الاتفاق النهائي في الغالب إلى الانحياز إلى إيطاليا، والاعتقاد السائد بين المشاركين في المحادثات هو أن إيطاليا ستستخدم البند لإرسال طالبي اللجوء المرفوضين إلى تونس، التي أصبحت محطة طريق شهيرة لأولئك الذين يتجهون إلى أوروبا، ولكن رسميًا، وفقًا لمسودة نص اطلعت عليها بوليتيكو، يجب أن يكون المهاجر قد "أقام" أو "استقر" في بلد ما، أو لديه عائلة هناك، حتى يتم إرساله إلى ذلك الموقع، لكن المدافعين عن الهجرة يخشون ألا يكون لدى الاتحاد الأوروبي أي سلطة لإلزام كل عضو بهذا المعيار، مما يؤدي بكل دولة إلى مجرد ثني القواعد لصالحها.
ماذا عن السوريين والأفغان؟
ولن يتأثر طالبو اللجوء من سوريا أو أفغانستان، وهم الكتلة الرئيسة من المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، بالقواعد الجديدة لأن معدل الاعتراف بطلباتهم يبلغ حوالي 50 بالمائة، وسينطبق الإجراء "الطبيعي" على السوريين والأفغان، وهذا يعني أنهم سيسجلون في اليونان أو إيطاليا ثم يتابع في الغالب طريقهم نحو ألمانيا.
وهذه "الهجرة الثانوية"، التي لا يُسمح بها في الواقع بموجب قانون الاتحاد الأوروبي ولكنها ممارسة شائعة، لن تتأثر بالكاد بالقواعد الجديدة التي تم التوصل إليها بشق الأنفس، حيث لا تعد دول الاتحاد الأوروبي - كما كان الحال في كثير من الأحيان من قبل - إلا باستعادة طالبي اللجوء الذين دخلوها كأول دول في التكتل الأوروبي.
كيف سيتم نقل المهاجرين عبر أوروبا؟
لسنوات ، كان الجدل ثنائي القطب في أوروبا بين أولئك مثل إيطاليا ، التي أرادت "إعادة توطين إلزامية" للمهاجرين عبر الاتحاد الأوروبي ، وأماكن مثل بولندا والمجر ، التي رفضت الاقتراح بشكل قاطع، لذلك كانت الصفقة بالوصول إلى حل بديل كلاسيكي في بروكسل والذي أطلق عليه اسم "التضامن الإلزامي"، فإذا لزم الأمر ، سيكون هدف الاتحاد الأوروبي هو نقل ما لا يقل عن 30 ألف مهاجر كل عام، ولكن سيتم منح البلدان خيار استقبال الأشخاص أو دفع 20 ألف يورو لكل مهاجر لا تقبله، وبعد تنازل في اللحظة الأخيرة لإيطاليا، يمكن أن تذهب الأموال إلى وعاء جماعي سيستخدمه الاتحاد الأوروبي لتمويل "مشاريع" غير محددة في الخارج.
وتتم قراءة البند كطريقة للاتحاد الأوروبي لتقديم الأموال بشكل أساسي إلى بلدان مثل تونس - وهو شعور تم تعزيزه فقط عندما أعلنت المفوضية أن الرئيسة أورسولا فون دير لاين ستزور تونس مع الزعيم الإيطالي جيورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الهولندي مارك روت. عطلة نهاية الاسبوع، وحتى هذه التسوية تركت بعض الدول غاضبة ، حيث هدد المسؤولون البولنديون بالفعل بمقاطعة المدفوعات المطلوبة - بالإضافة إلى رفض أي أشخاص إضافيين ، بالنظر إلى مليون لاجئ أوكراني تستضيفهم البلاد.