الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: قمة الميثاق التمويلي

صدى البلد

العلاقات المصرية الفرنسية علاقات تاريخية ذات طبيعة خاصة ليست فقط جيوسياسية ولا اقتصادية بل هي شراكة في لحظات مرة وحلوة بصورة حقيقية، وإن بدت بصورة استعمارية فاليوم نثبت للتاريخ كيف يمكن للاستعمار الذي يعقبه استقلال أن يتحول لعلاقة استثمار واستقرار واستمرار  بسبب الثقة الاستحقاقية التي تؤدي للشراكة في ظل صداقة بين رئيسي الدولتين فتجعل الأمر يمضي بصورة طبيعية، فالتكامل هو رأس الحل أما التناغم هو عقله المدبر.

تلك الأواصر والعلاقات الداعمة ذات الأطر المشتركة، لها كل الفضل في دفع مساعي العمل من أجل غد ندركه بلا كد يهدره، لذا كان لتكامل الرؤى المصرية الفرنسية الفضل الأكبر في دفع عجلة التنمية والسعي الجاد لحل مشاكل القارة الإفريقية، تقديراً واعترافاً بفضل الشقيقة الكبرى للقارة، مصر التي قدمت لها الكثير قبل وبعد تولي الرئيس السيسي رئاسة الاتحاد الإفريقي.

عالم بلا فقر، فكرة عتيقة بعمر الأرض منذ أن وطأها سيدنا آدم وأمنا حواء، من اللحظة الأولى بدأ العوز وعلى مر آلاف السنوات من الغريب أننا لازلنا نحاول أن نلبي ذات المفردات، المأكل والملبس والمسكن والأمان لم تتغير حاجات الناس على مر الزمان، وهنا لا أتحدث عن متطلبات الرفاهية لكن عن ما يقيم الإنسان ليصلب ظهره.

لذا ليس من الغريب أن تصدح الدعوة من دولة فيتردد صداها في كل القارات كافة، وإذا كانت أكبر الأصداء إفريقية فلا عجب أن تجد رد لذلك الصدى في كل الدول الأوروبية، التي قادت ثورة صناعية ولحقتها بعض النمور الأسيوية لكن لا عاصم للكل اليوم من غضبة الطبيعة التي تزأر فتلقي الرعب في قلوب الكل.

قمة الميثاق التمويلي التي أقيمت على مدار يومي ٢٢-٢٣ يونيو في الأراضي الفرنسية في نسختها الأولى هي الأبنة الشرعية لمؤتمر المناخ cop27 الذي استضافته الدولة المصرية في نوڤمبر الماضي، وهي النسخة الذي شهد العالم أجمع أنها نقطة محورية لأنها قدمت للمرة الأولى حلول حقيقية وأرقام تمويلية وإن لم تكن كافية فهي بداية في طريق كان مسدوداً في وجه دول دفعت ثمن التحولات المناخية دون ذنب جنته يديها، وهاهي اليوم خطوة أخرى في مسيرة الألف خطوة للقضاء على العوز والفقر في تلك البقع الشديدة الثراء بثرواتها المدفونة، والمدقعة الفقر بسبب كونها ثروات ظلت لسنوات منهوبة، عقود طويلة والقارة تعاني من إستغلالها وتجهيلها واستنزاف خيراتها.

تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة بكلمات صادقة كعادته، وواضحة ومرتبة كشخصيته، شخَصَ المشكلة في الجلسة الافتتاحية وقدم الحلول في الجلسة الختامية بصفته متحدثاً رسمياً باسم الدول الإفريقية والدول النامية، ففي جلسة الافتتاح أعلنها بيضاء دون مواربة ولا كلمات تملق صفراء إفريقيا في بؤس بسبب تعاملكم البأس مع الطبيعة، حققتم الرفاهية على سلم أساسيات ابناء القارة التي لم تساهم إلا بستة في المائة من الانبعاثات الكربونية.

وفي الجلسة الختامية بروح المقاتل الدفاعية والتي تجنح للسلام بأريحية بدا تساؤل الرئيس منطقياً، أين الأموال التي وعدتم بها من عام 2015 في ذات الأرض! وإذا كانت فكرة التمويل المباشر مقلقة فليتفضل رأس المال بإقامة مشاريع تنموية فاعلة، دلل الرئيس برقم مفجع للضمير الحي وهو أن هناك ما يزيد عن 2700 ضحية للهجرة الغير الشرعية سنوياً من إفريقيا لأوروبا بحثاً عن لقمة تسد الجوع الذي يطبق على الأنفاس الحية فأين صرخاتكم في سبيل نصرة الحقوق الإنسانية!

ألا يكفي لاجئي الحروب فمصر وحدها تستضيف بحسب ما جاء في كلمة الرئيس الشديدة التهذيب 9 مليون ضيف، فهل سيتحمل العالم مزيد من التشريد والتهجير واللجوء والتهميش!
هل الكوكب لديه متسع لمزيد من التشويش، ويتماشى ذلك مع تساؤل الرئيس المنطقي عن النتيجة المتوقعة لو  الدول المانحة كانت ملتزمة بسداد100 مليار دولار على مدار السبعة سنوات الماضية لمواجهة تغير المناخ، كما أكد أن هناك فرق كبير جدا بين الخطة وتنفيذها.

التغيرات المناخية شبح يهدد البقاء الآمن على الكرة الأرضية، لم يعد الموضوع نخبوي أو موائد مستديرة من أجل صورة تأريخية لتلك الجَمعَة اللطيفة، ولا مؤتمرات دورية من باب أن كسر العادة فأل له دلالة سلبية، بل أصبح ضرورة حياتية يجب أن نتحرك لرأب صدعها الأمس قبل اليوم.

فالأمر ليس في بعض السيول والأمطار، أو البراكين وحفنة من الأعاصير، بل التبعات الحادة لتلك المظاهر الفجة من اللاجئين بسبب قسوة الحياة، الكثير من الأمراض النفسية والعضوية جراء تلك التغيرات الضخمة، فقر غذائي بسبب الجفاف والتصحر، حرائق الغابات المتكررة، خسارة 70% من الكائنات التي تحافظ على التنوع الحيوي للأرض، ناهيك عن النساء المهمشات، أطفال بلا مدارس ورجال بلا عمل فالأرض ذهبت ومعها الأمل، تداعيات خطيرة لتلك التقلبات المناخية التي تهاجم الكوكب وتنتقم بعدائية.

انعقاد قمة الميثاق التمويلي في هذا الوقت والاعتراف الدولي أن الفضل فيها لمؤتمر المناخ الذي انعقد في شرم الشيخ هو توثيق عالمي للدور الفاعل الذي تلعبه مصر في ملف التغيرات المناخية، ومن ذات المطالبات التي انتهى إليها المؤتمر وهي المطالبة بجدولة الديون والدعم الحقيقي الفاعل في تغيير دفة الأمور، كانت نقطة الانطلاق وبداية المناقشات والحوار، التي انتهت لإعادة جدولة الديون على دول القارة الإفريقية ذات الكيانات المالية الهشة والديون تأكل في هيكلها بشكل مثير للدهشة، وهذا هو هدف القمة مساعدات فاعلة لتلك الكيانات الرقيقة على تجاوز تلك اللحظة الكونية الدقيقة.

مصر أطلقت خلال مؤتمر المناخ بشرم الشيخ (كوب 27)، منصة "نوفي"، وحصلت على تمويل من (EBRD) وألمانيا والولايات المتحدة والدنمارك، لانتاج 10جيجا من الطاقة النظيفة، وذلك يٌمكّن مصر في عام 2030 أن تحقق أهدافها في التحول الكامل لمصادر الطاقة النظيفة وذلك المشروع يوفر 42 % منها، لذا قد تبدو الأحلام صعبة بعيدة لكن بالصبر والإرادة لا يوجد ما يجعلها مستحيلة، فبعض عدل سيصلح ميزان الأرض.