قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. أيمن يوسف يكتب: دمشقية في بهو كنيسة البندقية

لا يمتلك المشهد الفني العربي التشكيلي افضاءات وإطلالات كالتي تقدمها الفنانة سيمون فتال في معارضها الممتدة بين عواصم العالم منذ أن استقرت إقامتها بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب اللبنانية، الفنانة التشكيلية سيمون فتال دمشقية المولد لبنانية النشأة امريكية الجنسية أوربية الاقامة لازالت تحمل عبق ثقافة البحر المتوسط التي تشربتها منذ نشأتها الاولى بكل تجاليات المنطقة الحضارية من حضارة فرعونية وآشورية وفينيقية وكنعانية ويونانية ورومانية، وتجسد سيمون كافة تلك المرافئ الحضارية من خلال الطين والتراب والالوان المائية والخزف في تآخي فني قلما يجتمع في اعمال التصوير والنحت والتركيبات الانشائية والسيراميك الذي تميزت به سيمون فتال كقامة عربية للفن التشكيلي من هذا النوع، بل انها تستلهم موضوعات أعمالها من تاريخ الاقليم الممتد ومن الأساطير ومن المرويات ومن الشعر الصوفي ومن كافة عناصر التكوين المعرفي والسيسيولوجي والثقافي للمنطقة المتوسطية التي كانت ملتقى جغرافي لحضارات متجاورة ومتلاصقة، لتشكل بذلك وعي معرفي قائم على "السرد البصري" للحكايات والملاحم التي أتت من تلك الجغرافيا ومن منطقة الهلال الخصيب ومن اليونان القديمة كملحمة جلجامش والأوديسة والاميرة الصغيرة.

هكذا يقف مشروع سيمون فتال الفني في تناغم عضوي وحسي لمصنوعات الطين والخزف والبرونز والزجاج والسيراميك، وفي سيرورة مستوحاة من مخيلة متوسطية تبثها سيمون فتال في تلك العناصر الايكولوجية، وفي تكثيف مستوحى من عموم الفلسفة الانسانية التي كانت موضوع دراستها في جامعة السيربون، وما يحويه هذا المشروع من من دلالات ورموز متشابكة حضاريا وانسانيا وفنيا وفلسفيا، ولعل الرصيد الفني الأعمق لهذه التجربة الأهم في المشهد التشكيلي العربي الحالي هو اقامة سيمون فتال لمعارضها أخر عامين في قلب المنطقة المتوسطية واختيارها مدينة فينيسيا او البندقية الايطالية على سبيل المثال لتكون مدينة معرضها الذي اقامته مايو الماضي والذي سيمتد لشهور قادمة في كنيسة سان لورونزو، وما يحمله هذا الاختيار من رمزية ودلالة تجلت في اعمال المعرض ذاته، وكذلك اختيارها وضع الاعمال في القسم المخصص للراهبات لتحيا المنحوتات حالة من الخشوع والصلاة ارادته سيمون وجسدته في أبعاد المنحوتات وفي التشكيل الهندسي الاصيل لها، علاوة على دلالات اختيار المدينة نفسها ورمزية اختيار كنيسة سان لورنزو وكثافة التجسيد وخطوط المنحوتات، وأيضا موضوعات الاعمال التي شكلتها والتي بنت جسرا بمخيلة تشكيلية جمعت بين "البريكولا" الخاصة بتاريخ مدينة فينسيا و"اللؤلؤ" الذي يحمل عبق تاريخ تجارة العرب وفارس القديمة، وكذلك المراكب الخشبية واسطورة "مي وغيلان" القادمة من قلب الخليج العربي، والتي سادت وانتشرت في اقليم غرب آسيا منذ العصر القديم حول اختراع الشراع وسباق مركب غيلان لمركب مي او مية، وذلك بعد ان استلهم غيلان من جناح طائر اليعسوب فكرة الشراع ليسبق بذلك مركب حبيته مية/مي في عرض البحر، بعد تنافس شديد بينهما حول التجارة واللؤلؤ وحول كتابة الشعر.

وكعادة سيمون فتال في اختيار عناوين معارضها الذي تستوحيه من قصائد الشعر؛ أتى عنوان معرضها في كنيسة سان لورنزو بفينسيا/ البندقية من قصيدة ايتيل عدنان "هكذا تأتي الأمواج أزواجا"، وهو عنوان متوافق مع المعرض ومع رؤية سيمون فتال الفنية الخاصة في إضفاء لمسة شاعرية على عناوين معارضها، وهو المتوافق ايضا وعمق تكوينها السيكولوجي في منح التراب والالوان والطين ديناميكية وحركية ونبض، حيث تكرر هذا في عنوان معرضها المشترك الذي تناول الحرب عام 2021 في مدينة الشارقة " المطر سيكون رصاصا الى الأبد"، والذي تجلى ايضا في عنوان معرضها عن مدينة بومبايي الايطالية "نسيم فوق المتوسط" والذي تناولت سيمون من خلاله مأساة مدينة بومبايي الايطالية/ الرومانية/ المتوسطية- التي ثار عليها بركان فيزوف عام 79 لتتحنط الاحياء على هيئتها كما هي عبر قرون من خلال "الرماد الاسمنتي" الذي قذفه البركان على كل موجودات المدينة، لتندثر بأحيائها ومدرجاتها وكائناتها ومعابدها وعمارتها الأركيولوجية، ويتم اكتشاف المدينة مؤخرا في القرن الثامن عشر، وهو ما اثار قريحة سيمون فتال الفنية لتزور تلك المدينة المتوسطية الواقعة على خليج نابولي وتقتحم مأسي واساطير منطقة البحر المتوسط وتنسج معرضها الاول في ايطاليا بمدينة ميلانو عام 2021، ليكون معرضا في موضوع متوسطي بمدينة متوسطية لفنانة متوسطية استخدمت رموزا ودلالات وتاريخا متوسطيا.