الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفاة أستاذ العمارة الإسلامية طارق سويلم

د. طارق سويلم داخل
د. طارق سويلم داخل مسجد أحمد بن طولون

توفي اليوم الدكتور طارق سويلم أستاذ الفن والعمارة الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة فى قطر، بعد صراع طويل مع المرض. 

ولد طارق سويلم في مدينة الإسكندرية، ثم انتقل بعدها إلى القاهرة. نشأ ونمى مع حبه للآثار منذ صغره، وذلك بفضل والده الشهير الدكتور نبيل سويلم، الذي يعتبر عالمًا في مجال المصريات. قام والده بجولات ورحلات عديدة للأماكن الأثرية والمدن المختلفة في مصر، بهدف استكشاف تراث الحضارات القديمة. 

 

مسار دراسي

 

تخرج سويلم من كلية السياحة والفنادق، وتحديدًا من قسم الإرشاد السياحي. كان مساره الدراسي معروفًا تقريبًا للأشخاص المحيطين به، حيث كانوا يرونه استكمالاً لرحلة والده في مجال علم المصريات. ولقد ساهمت الكلية بشكل كبير في هذا الأمر، نظرًا لتركيزها على علم المصريات في المواد الدراسية المقدمة. وبالإضافة إلى ذلك، قد ساهمت رحلاته المستمرة مع والده في رؤية الآثار المصرية القديمة في تعزيز هذا الاهتمام. وقد تم تأكيد ذلك بوضوح عندما يقول: "ركزت الكلية بشكل أساسي على علم المصريات، وليس الآثار الإسلامية، وهذا ما ساهم في تعميق معرفتي. بالإضافة إلى ذلك، كنت أسافر بانتظام مع والدي لرؤية الآثار المصرية القديمة".

طارق سويلم وتأثره بأستاذته ليلى إبراهيم 

 

تعلق الدكتور طارق سويلم بعالمة الآثار الأستاذة ليلي إبراهيم كحال معظم أبناء جيله، إذ لعبت الدور الأكبر في حياته.  يقول في آخر حوار له منشور في جريدة أخبار الأدب المصرية:  «ليلى شخصية فريدة صعب تكرارها، كانت ابنة لـ علي باشا إبراهيم، والذي أحب اقتناء الآثار والتحف، وكانت هي المسئولة عن أرشيف مجموعته الأثرية، كانت لها رسالة واضحة، إذ أدركت أن دراسة الآثار الإسلامية، تتم عن طريق الأجانب؛ لذلك أرادت أن نتولى هذه المسئولية وشجعتنا، ومن وجهة نظري فقد نجحت في نهاية الأمر في تحقيق ما أرادته في حياتها، ومن هنا تولدت صداقتي مع المؤرخ الدكتور ناصر الربَّاط، والذي أصبح صديقًا لنا جميعًا، وكانت لها أيضًا الفضل في معرفتي ومن ثم زواجي من الأستاذة هند نديم، ونفس الأمر بالنسبة لناصر الربَّاط وزوجته، أشعر دائمًا أننا عائلة، ولا أعتقد أن أحد قادر على أخذ مكانه بداخلي؛ هذه العائلة والصداقات، تكونت ونشأت بفضل ليلى إبراهيم التي أفتقدها كثيرًا، فقد عاملتني كابن لها، وعرفتني على القاهرة كمدينة».

 

ابن طولون.. جامع لم يفهمه المصريون 

 

قدم الدكتور طارق سويلم خلال رسالته للدكتوراه أحد أهم التحليلات حول مسجد ابن طولون، والتي تعمق فيها أكثر من خلال كتابه الذي صدر منذ سنوات باسم «IBN TULUN.. His Lost City and Great Mosque» والصادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة. «كما ذكرت كانت دراستي لجامع ابن طولون، بناء على اقتراح جرابار، فقد ناقشت التغيرات والتوسعات التي حدثت في المسجد طوال فترات التاريخ، لكن كتاب ابن طولون أعمق وأفضل من الرسالة لأن الرسالة ركزت على التسلسل التاريخي الخاص بعمارة المسجد، أما الكتاب فقد قمت بإعداده من خلال تقديم تسلسل تاريخي للمسجد والحقب التاريخية التي مرّت عليه، فنظرتي للأشياء كانت قد تغيرت؛ لذلك قدمت الكثير من التحليلات المعمارية التي بمت بداخله».

يرى سويلم دومًا أن المصريين لم يفهموا جامع ابن طولون حتى الآن «جامع ابن طولون لم يفهم ولن يفهم في مصر، لأن المصريين أنفسهم لم يتخيلوا في يوم أن يكون هذا المبنى مسجدًا، فهم لم يألفوا شكله طوال فترات التاريخ؛ أي منذ بناءه وحتى الآن، فهو دومًا يُفهم بشكل خاطيء، والدليل أنه في الوقت الحالي لا يدخله الكثيرون للصلاة، وعدد المصلين بداخله لا يتعدون العشرات؛ لذلك أعتقد أن الجامع تم فهمه تاريخيًا باعتباره علامة مميزة عن ابن طولون نفسه، وكونه علامة معروفة داخل القاهرة، لكنه كمسجد لم يفهم أبدًا».

 

برج ابن طولون!

 

توصل سويلم لعدة قناعات من خلال تحليلاته ودراسته للمسجد، طوال تلك السنوات، إذ يؤكد على أن مأذنة ابن طولون الشهيرة، ليست بمأذنة كما يظن البعض «أرى أنه برجًا وأرفض فكرة كونها مأذنة، فهذا البرج تم بناؤه خلال فترة لاحقة، من بناء المسجد وهو ليس الأصلي الذي بناه ابن طولون، فالمأذنة الأصلية كانت شبيهة بالمولوية الموجودة في سمراء، لكنها سقطت مع الوقت، وتم بناء هذا البرج في عصر الأيوبيين، والمماليك، وقد استخدم الأيوبيين بدورهم المسجد لإيواء الحجاج المغاربة، خلال رحلة الحج، وكان شرطًا عليهم النزول في مسجد ابن طولون؛ لذلك فالجامع نفسه ضم مجتمع آخر مختلف عن المجتمع الذي عرفته القاهرة؛ أي مجتمع المغاربة والأندلسيين، فعندما سقطت المأذنة الأصلية، كان لزامًا عليهم بناء شيء آخر، وقد أرادوا بناء آخر مرتبط ذهنيًا بابن طولون، ووضعوا عقود على الطراز المغربي، ولذلك من خلال صور برج ابن طولون تكتشف أن نوافذه ليست حقيقية، بل مزيفة، والآذان بدوره لم يرفع من برج ابن طولون، بل كان يرفع من القبة التي تتوسط الصحن، والتي حرقت فيما بعد، وأعاد بناءها السلطان لاجين، وبنى أعلاها غرفة الميقاتي (الشخص المسئول عن تنظيم أوقات الصلاة)، ومن خلالها كان يؤذن؛ لذلك من واقع تحليلي الشخصي، أرى أنه برجًا وليس بمأذنة، واستخدم في الألعاب الأكروباتية، والعروض وغيرها من الأمور، خلال الحقبة الأيوبية، وقد استخدم المصريون المسجد نظرًا لكبر حجمه خلال عصر الفاطميين، إذ لم يكن داخل مصر مبنى بحجمه؛ لذلك قاموا بجمع الضرائب بداخله، وقد رمموه، وأضافوا عليه، وخلال والعصر العثماني ظل يستخدم، أما في عصر محمد علي تحول لمستشفى، إلى أن استخدم في النهاية كملجأ للفقراء، وكاد أن يندثر، حتى جاء ماكس هرتز باشا في أواخر القرن الـ19 ورممه من خلال لجنة حفظ الآثار العربية، وأزال كافة البيوت والتعديات الموجودة حوله، والتي استقطعت أجزاء منه؛ لذلك أقول دومًا أن المصريين لم يفهموه وهو كمسجد لم يُدرس بشكل كاف، ولم يجد المصريون من يشرح لهم عظمة هذا المسجد معماريًا».

 

نشر الراحل العديد من الكتب والداراسات الهامة كان أهمها كتابه: "ابن طولون.. مدينته المفقودة ومسجده الكبير".