الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل هناك صيغ للدعاء ليكون مقبولا؟.. مواطنها وصيغتان نغفل عنهما

هل هناك صيغ للدعاء
هل هناك صيغ للدعاء حتى يكون مقبولا؟ 

هل هناك صيغ للدعاء حتى يكون مقبولا؟ سؤال يغفله كثيرون خاصة ممن يظنون أن الدعاء يشترط فيه أمور مخصوصة، بل إنهم يستبطئون في أغلب الأوقات إجابته فيتوهمون أن الله لم يقبل منهم ما دعوا به وأن ذلك سبب في تمكن اليأس والإحباط منهم.

هل هناك صيغ للدعاء حتى يكون مقبولا؟ 

"الدعاء مخ العبادة" أي أعلى ما فيه ؛ لأن فيه اعتراف من الإنسان بعبوديته لله سبحانه وتعالى، كما أن الدعاء عبادة من أعظم العبادات التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال تعالى: ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الأعراف: 29]، وقال سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" والحاكم في "المستدرك" وصححه.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وابن ماجه في "سننهم" وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "المستدرك" وصححه.

حكم رفع اليدين في الدعاء

الأمر بالدعاء جاء عامًّا مطلقًا؛ فيشمل ذلك كلَّ هيئاته؛ في الصلاة وخارجها، سرًّا وجهرًا، رغبة أو ورهبة؛ فقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۝ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 55-56].

وكما جاء الأمر بالدعاء على كلّ حال، تواترت نصوصُ السنة النبوية الشريفة باستحباب رفع اليدين في الدعاء، حتى خصَّص الأئمة أبوابًا لذلك في مصنفاتهم؛ فبوب الإمام البخاري في "صحيحه": (بَابُ رَفْعِ الأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ)، وبوب الإمام الترمذي في "جامعه": (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّعَاءِ)، وابن ماجه في "سننه": (بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ).

ونص الأئمة على تواتر أحاديث رفع اليدين عند الدعاء تواترًا معنويًّا؛ فقال الحافظ السيوطي في "تدريب الراوي" (2/ 631، ط. دار طيبة): [ومنه ما تواتر معناه؛ كأحاديث رفع اليدين في الدعاء] اهـ. وبه قال الإمام المناوي في "اليواقيت والدرر" (1/ 246، ط. مكتبة الرشد).

الصور الواردة في رفع اليدين في الدعاء

مع تواتر الأحاديث على رفع اليدين عند الدعاء إلا أنَّ لها صورًا واردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تختلف باختلاف المدعو به وحال الدعاء عند ذلك؛ فإذا كان الدعاء لطلب حاجة أو عطاء فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوجه باطن كفيه إلى السماء وظهرهما إلى الأرض، وإن كان الدعاء لرفع نقمة أو دفع بلاء قلب يديه إلى الأرض وجعل ظهرهما إلى السماء.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَسْقَى، فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ" أخرجه مسلم في "صحيحه" واللفظ له، والإمام أحمد وعبد بن حميد في "مسنديهما".

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (6/ 190، ط. دار إحياء التراث): [قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كلّ دعاء لرفع بلاء؛ كالقحط ونحوه، أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفّيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء] اهـ.

وروى ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله سبحانه: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: 90] قال: «رَغَبًا هَكَذَا، وَرَهَبًا هَكَذَا»، وبسط كفيه؛ يعني: جعل ظهرهما للأرض في الرغبة، وعكسه في الرهبة؛ كما نقله الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 670-671، ط. دار الفكر) مختصرًا، وذكره بتمامه العلامة الشوكاني في "فتح القدير" (3/ 502، ط. دار ابن كثير).

وهو ما نص عليه الفقهاء؛ فقد ذكروا أن الدعاء إذا كان رغبة جعل الداعي باطن كفيه إلى السماء وظهرهما إلى الأرض، وإن كان رهبة جعل ظهر كفيه إلى السماء وباطنهما إلى الأرض.

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 166، ط. دار المعرفة): [وعن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه قال: الدعاء أربعة: دعاء رغبة، ودعاء رهبة، ودعاء تضرع، ودعاء خفية، ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء، وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء، وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة، ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه، وعلى هذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى] اهـ.

وجاء في "المدونة" في فقه الإمام مالك (1/ 420، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن القاسم: وسئل مالك عن الإمام إذا أمر الناس بالدعاء وأمرهم أن يرفعوا أيديهم في مثل الاستسقاء، والأمر الذي ينزل بالمسلمين مما يشبه ذلك؟ قال: فليرفعوا أيديهم إذا أمرهم، وليرفعوا رفعًا خفيفًا، وليجعلوا ظهور أكفهم إلى وجوههم وبطونها إلى الأرض. قال ابن القاسم: وأخبرني بعض من رأى مالكًا في المسجد يوم الجمعة ودعا الإمام في أمر، وأمر الناس أن يرفعوا أيديهم فرأى مالكًا فعل ذلك، رفع يديه ونصبهما وجعل ظاهرهما مما يلي السماء] اهـ.

وفي جواب سؤال هل هناك صيغ للدعاء حتى يكون مقبولا؟، قال الدكتور أيمن الحجار، من علماء الأزهر الشريف، إن الدعاء الذى يدعو به الانسان ربه، له صيغ وردت عن سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في مواضع معينة يفضل الالتزام بها منها ما هو عند تناول الطعام، حيث قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رزقني هذا الطعام من غير حول لي ولا قوة. 

وتابع العالم الأزهري: "الأدعية حين يدعو الانسان يكون مريض اللهم رب الناس اذهب البأس، ويستطيع الانسان ان يدعو الله بما يفيض عليك وبما فتح لك"، مشددًا: "إذا نزل الدعاء على لسانك كسلاسل الماء وشعرت براحة فاعلم أن هذا رضا من الله سبحانه وتعالى كما كان يقول سيدنا عمر بن الخطاب".

أماكن استجابة الدعاء

اصطفى الله تعالى بعض المواطن والأوقات وجعلها مظنَّةً لإجابة الدعاء رحمةً منه وتفَضُّلًا على عباده؛ ومن هذه الأوقات: الدعاء عند نزول المطر؛ لأنَّها أوقات مِنَّة وفضل ولطف ورحمة من الله على عباده، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم بلفظه عن سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ثنتان ما تُرَدَّان: الدُّعاء عند النداء، وتحت المطر» أي: عند نزوله.

قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (3/ 340، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أي: دعاء من هو تحت المطر لا يُرَدُّ أو قلَّمَا يُرَدُّ، فإنَّه وقت نزول الرحمة، لاسِيَّمَا أول قطر السنة، والكلام في دعاءٍ متوفر الشروط والأركان والآداب] اهـ.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» أخرجه البيهقي في "المعرفة"، والطبراني في "الكبير".

وروى الإمام الشافعي في "الأم" عن عبد العزيز بن عمر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اُطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ».

كما استدل الفقهاء بالآثار التي تدُلُّ على استحباب الدعاء أثناء نزول المطر على أنَّ الدعاء حال نزول المطر مستجاب؛ من ذلك: حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى المطر يقول: «اللهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رواه البخاري. وفي لفظ لأبي داود أنه كان يقول: «اللهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا».

قال الإمام الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (1/ 553، ط. دار الكتب العلمية): [ويستحب الدعاء عند نزول الغيث؛ لما ورد من استجابة الدعاء عنده] اهـ.

وقال العلامة ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 224، ط. دار الحديث): [أجمع العلماء على أنَّ الخروج إلى الاستسقاء، والبروز عن المِصْر، والدعاء إلى الله تعالى والتَّضرُّع إليه في نزول المطر سُنَّة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 96، ط. دار الفكر): [قال الشافعي: وحفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 126، ط. دار الفكر): [(و) أن (يقول عند مطر: اللهم صيّبًا) بتشديد الياء، أي: مطرًا (نافعًا) للاتباع، رواه البخاري، (ويدعو بما شاء)؛ لخبر البيهقي: «يستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، ورؤية الكعبة»] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 327، ط. مكتبة القاهرة): [ويستحب الدعاء عند نزول الغيث؛ لما رُوِي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث»] اهـ.

ومن صيغ الدعاء المستجاب ما يلي:

اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء ،وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبتنا وثقل موازيننا، وحقق إيماننا، وارفع درجاتنا، وتقبل صلاتنا، واغفر خطايانا، ونسألك الدرجات العلى من الجنة. آمين.

يا لطيف نسألك اللطف أبدا، يا حفيظ قنا السوء، يا لطيف يا لطيف يا لطيف من لعبدك العاجز الخائف الضعيف.