الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ميمونة بنت الحارث.. وهبت نفسها للنبي وتزوجها لمصلحة عليا

صدى البلد

بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكانت من السابقين إلى الإيمان برسالة الإسلام، ومما يذكر عنها أنها كانت تقية تصل الرحم، وقد أعتقت جارية لها مملوكة ابتغاء لوجه الله ومرضاته، وكانت صالحة فاضلة.

هي ميمونة بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال ، المولودة سنة 29 قبل الهجرة ، أُمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث، وأخواتها لأبيها وأُمِّها أمُّ الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى عصماء بنت الحارث زوج الوليد بن المغيرة، وعزَّة بنت الحارث زوج زياد بن عبد الله بن مالك، أمَّا أخواتها لأُمِّها فهي أسماء بنت عُمَيس زوج جعفر بن أبي طالب فوَلَدَتْ له عبد الله وعونًا.

وكان للسيِّدة ميمونة رضي الله عنها مكانتها بين أُمَهات المؤمنين، فهي أخت أُم الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، كما أنها خالة ابن عباس، وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم وأخواتها بالمؤمنات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "الأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ: مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بنتُ الْحَارِثِ، وسَلْمَى امْرَأَةُ حَمْزَةَ، وَأَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ هِيَ أُخْتُهُنَّ لأُمِّهِنَّ".

لما توفي زوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس عرضها العباس على النبي في الجُحْفَة، فتزوَّجها رسول الله ، وبنى بها بسَرِف على عشرة أميال من مكة، وكانت آخر امرأة تزوَّجها رسول الله، وذلك سنة سبع للهجرة في عمرة القضاء ، وقد أصدقها العباس عن رسول الله أربعمائة درهم، ويقال: إنها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ؛ وذلك أن خطبة النبي انتهت إليها وهي على بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" [الأحزاب:50 ].

وقيل: إن اسمها كان بَرَّة، فسمَّاها رسول الله ميمونة، وكانت رضي الله عنها قريبة من رسول الله ، فكانت تغتسل مع رسول الله في إناء واحد، وحقَّق النبي بزواجه من السيدة ميمونة مصلحة عليا، وهي أنه بهذه المصاهرة لبني هلال كَسَبَ تأييدهم، وتألَّف قلوبهم، وشجعهم على الدخول في الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وجد النبي منهم العطف الكامل والتأييد المطلق، وأصبحوا يدخلون في الإسلام تباعا، ويعتنقونه طواعيةً واختيارا.

وبانضمام السيدة ميمونة رضي الله عنها إلى ركب آل البيت، وإلى أزواج رسول الله كان لها دور كبير في نقل حياة رسول الله إلى الأُمة، كما قال الله تعالى: "وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا".

حفظت الحديث النبوي الشريف وروته ونقلته إلى كبار الصحابة والتابعين وأئمة العلماء ،وكانت رضي الله عنها من المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف حيث إنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً وسبعين حديثاً، ولم يسبقها في ذلك سوى أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها. ورُوي لها سبعة أحاديث في "الصحيحين"، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وروى عنها: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، ومولاها سليمان بن يسار، وعبد الله بن سليط، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي، وغيرهم.

وروى عنها الشيخان أنها قالت: (إن الناس شكوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه ميمونة بحلاب اللبن وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون إليه), وهذا يدل على فقهها ورجاحة عقلها رضي الله عنها ، وهي التي أهدت السمن والأقط والأضُبَّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأكل السمن والأقط، ولم يأكل الضباب، تركها تَقَذُّراً، وأكلت على مائدته صلّى الله عليه وسلّم.

ماتت ميمونة بنت الحارث عام الحرة سنة ثلاث وستين، بسرف في الموضع الذي بنى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه وذلك من الاتفاقات العجيبة ، وقبرها هنالك معروف بين مكة وبطن مر.

وصلى عليها ابن عباس، رضي الله عنهما ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم وعَبْد الله بن شداد بن الهاد، وهم أولاد أخواتها، ونزل معهم عُبَيْد الله الخولاني، وكان يتيماً في حِجرها، وكان لها يوم توفيت ثمانون سنة وهي آخر أمهات المؤمنين موتاً رضي الله عنهن أجمعين.