يغفل الكثيرون عن فضل سورة الكافرون، وفي الثلث الأخير من الليل حيث موعد النزول الإلهي، ونرصد بعضا من فضائل سورة الكافرون، وأحكامها وتفسيرها.
فضائل سورة الكافرون
في البداية، يقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم العميد السابق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، إن من فضائل قراءة سورة (قل يا أيها الكافرون): أنها براءة من الشرك، فعن فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنوفل ( اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك) انظر سنن أبي داود ج13 ص269 وانظر سنن الترمذي ج22 ص9 ورواه غيرهما وهو حديث حسن انظر صحيح الجامع ج1 ص115.
وعن مهاجر أبي الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ (قل يا أيها الكافرون) حتى ختمها فقال -صلى الله عليه وسلم - : قد برئ هذا من الشرك ، ثم سرنا فسمع آخر يقرأ (قل هو الله أحد) فقال أما هذا فقد غفر له ) السنن الكبرى للنسائي ج5 ص 16 ورواه الإمام أحمد انظر المسند رقم 16668وقال الأرنؤط حديث صحيح .
ويسن قراءة هذه السورة الكريمة قبل النوم إضافة إلى سورة الملك التي تمنع عن صاحبها عذاب القبر. كما يسن الإكثار من قراءتها على العموم فهي براءة من الشرك .
وسورة الكافرون، ست آيات، وهي مكية في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة. ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك وفي الترمذي من حديث أنس : أنها تعدل ثلث القرآن . وفي كتاب ( الرد لأبي بكر الأنباري) : أخبرنا عبد الله بن ناجية قال : حدثنا يوسف قال حدثنا القعنبي وأبو نعيم عن موسى بن وردان عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل يأيها الكافرون تعدل ربع القرآن. ورواه موقوفا عن أنس .
وخرج الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد عن ابن عمر قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الفجر في سفر، فقرأ قل يأيها الكافرون. وقل هو الله أحد ، ثم قال : قرأت بكم ثلث القرآن وربعه.
وروى جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتحب يا جبير إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا " ؟ قلت : نعم . قال : " فاقرأ هذه السور الخمس من أول قل يا أيها الكافرون إلى - قل أعوذ برب الناس وافتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم". قال : فوالله لقد كنت غير كثير المال ، إذا سافرت أكون أبذهم هيئة، وأقلهم زادا، فمذ قرأتهن صرت من أحسنهم هيئة، وأكثرهم زادا ، حتى أرجع من سفري ذلك. وقال فروة بن نوفل الأشجعي : قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أوصني قال : " اقرأ عند منامك قل يأيها الكافرون، فإنها براءة من الشرك ". خرجه أبو بكر [ ص: 200 ] الأنباري وغيره . وقال ابن عباس : ليس في القرآن أشد غيظا لإبليس منها ؛ لأنها توحيد وبراءة من الشرك . وقال الأصمعي : كان يقال لـ قل يأيها الكافرون ، وقل هو الله أحد المقشقشتان ؛ أي أنهما تبرئان من النفاق . وقال أبو عبيدة : كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه. وقال ابن السكيت : يقال للقرح والجدري إذا يبس وتقرف ، وللجرب في الإبل إذا قفل : قد توسف جلده ، وتقشر جلده ، وتقشقش جلده.
جاء في تفسير القرطبي: بسم الله الرحمن الرحيم «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون»، ما أعبد ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ؛ لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه ؛ فأنزل الله - عز وجل - قل يا أيها الكافرون.
وقال أبو صالح عن ابن عباس : أنهم قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك ؛ فنزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه السورة فيئسوا منه ، وآذوه ، وآذوا أصحابه . والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأي ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم . ونحوه عن الماوردي : نزلت جوابا ، وعنى بالكافرين قوما معينين . لا جميع الكافرين ؛ لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون. قال أبو بكر بن الأنباري : وقرأ من طعن في القرآن: قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون، وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم [ ص: 201 ] بهذا الخطاب الزري، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا . وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم . فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يأيها الكافرون ؛ دليل صحة هذا : أن العربي إذا قال لمخاطبه : قل لزيد : أقبل إلينا ، فمعناه قل لزيد : يا زيد أقبل إلينا . فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم ، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى؛ إذ كان الرسول - عليه السلام - يعتمدهم في ناديهم ، فيقول لهم : يأيها الكافرون. وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر ، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد ، أو تقع به من جهتهم أذية . فمن لم يقرأ : قل يأيها الكافرون ، كما أنزلها الله ، أسقط آية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها ، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه ، التي منحه الله إياها ، وشرفه بها.
وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ؛ كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله . قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ؛ قال الله تعالى : فبأي آلاء ربكما تكذبان . ويل يومئذ للمكذبين . كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون . و فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا . كل هذا على التأكيد .