أوضحت دار الإفتاء المصرية المعنى المقصود من قوله تعالى: ﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ [الأنفال: 30]، مشيرة إلى أن هذا التعبير ورد في سياق بلاغي بديع يعرف في اللغة بـ"المشاكلة والمقابلة"، وهو من الأساليب البيانية التي تكررت في القرآن الكريم للدلالة على جزاء العمل ومقابلته بما يناسبه، لا على أن الله تعالى يتصف بهذه الصفات على الوجه الذي يكون في البشر.
وبيّنت الدار أن المقصود بـ"مكر الله" هو مقابلة مكر الكافرين وتدبيرهم الباطل بتدبير إلهي محكم يرد كيدهم إلى نحورهم، مؤكدة أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بالمكر أو الكيد ابتداءً، كما أنه منزَّه عن النسيان، مستشهدة بقوله تعالى: ﴿وما كان ربك نسيا﴾ [مريم: 64]، وقوله: ﴿إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا﴾ [الطارق: 15–16]، وقوله: ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ [التوبة: 67]، و﴿فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم﴾ [السجدة: 14].
وشددت دار الإفتاء على أن هذه الآيات تعبر عن أن الجزاء من جنس العمل، وتوضح أن مكر الكافرين مهما اشتد وتعقد، لا يساوي شيئًا أمام علم الله وتدبيره وقدرته، فهو سبحانه العدل المطلق، المنتقم من الظالمين، المحيط علمًا بكل شيء، وقالت: "كل ما أضافه الله إلى نفسه من صفات وأفعال، يجب أن يُفهم في إطار تنزهه الكامل عن مشابهة المخلوقين، فما خطر ببالك فالله خلافه".
دار الإفتاء توضح معنى ولا تجسسوا
أوضحت دار الإفتاء المصرية المعنى المقصود من قوله تعالى: ﴿ولا تجسسوا﴾ [الحجرات: 12]، مؤكدة أن التجسس من الصفات الذميمة التي نهى عنها الشرع الحنيف، وهو ما يتجلى في التطفل على خصوصيات الناس وتتبع عوراتهم وعيوبهم، سواء كانت عيوبًا خلقية أو خُلُقية، والبحث عما يخفونه أو يستحون من إظهاره، سواء كان حقًّا أو باطلًا.
وبيّنت الدار أن هذا السلوك يعد محرمًا شرعًا إذا كان صادرًا عن فضول بغير داعٍ، أو بقصد الإيذاء أو الإضرار بشخص لم يُتهم بجريمة، مشيرة إلى أن الأصل في الإنسان صيانة عرضه وخصوصيته، واحترام ما لا يحب أن يُطّلع عليه من شؤونه، وأن الإسلام جاء لحفظ الكرامة الإنسانية ومنع التلصص على حياة الآخرين.
واستشهدت دار الإفتاء بما قاله الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي في تفسيره السراج المنير (جـ4/ صـ70، ط. مطبعة بولاق الأميرية)، حيث فسّر الآية بقوله: "وقوله تعالى: ﴿ولا تجسسوا﴾ حذف منه إحدى التاءين -فالأصل: ولا تتجسسوا-، أي: لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها"، وهو ما يبرز وضوح النص القرآني في النهي عن كل صور التتبع غير المشروع.
وأكدت دار الإفتاء في ختام توضيحها أن الالتزام بهذا التوجيه الإلهي هو من مظاهر حسن الخلق، ولبنة أساسية في بناء مجتمع سليم، يقوم على الستر والتعفف واحترام خصوصية الغير، بعيدًا عن الفضول وسوء الظن والتربص بالناس.