في خضم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، تبرز قضية الأسرى الفلسطينيين كأحد أهم المحاور التي تتصدر أجندة المفاوضات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، وسط حالة إنسانية كارثية يعيشها القطاع منذ أكثر من 21 شهرًا من الحرب المتواصلة والمجازر الممنهجة.
وتشكل معادلة الأسرى إحدى أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في أي مفاوضات بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لما تمثله من أبعاد إنسانية وسياسية واستراتيجية.

مفاوضات شائكة وتباين في المواقف
تدور المباحثات الحالية في الدوحة حول تبادل الأسرى، حيث تسعى إسرائيل إلى الإفراج عن عدد من أسراها المحتجزين لدى فصائل المقاومة، في مقابل إطلاق سراح دفعات جديدة من الأسرى الفلسطينيين. وتكثف تل أبيب ضغوطها للحصول على رد واضح من حركة "حماس" بشأن المقترح الجديد الذي قدّمه الوسطاء، ويتضمن خرائط ومفاتيح تبادل مفصلة مقابل كل أسير إسرائيلي.
وفي المقابل، تتمسك المقاومة الفلسطينية بإدراج أسماء قيادات بارزة ضمن قائمة الإفراج، وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي، الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد وأربعين عامًا داخل السجون الإسرائيلية. وتشير التقارير إلى أن اسم البرغوثي يُعدّ "ورقة تفاوض أساسية" لدى قيادة المقاومة، ولا سيما لدى قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، الذي سبق أن وعد شخصيًا زوجة البرغوثي، فدوى البرغوثي، بإطلاق سراحه، مؤكدًا على هذا الوعد بقسم على القرآن الكريم.
البرغوثي.. شخصية مفصلية في المشهد الفلسطيني:
مصادر فلسطينية أكدت لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن حماس تعتبر البرغوثي أحد الرموز الوطنية التي لا يمكن التفريط بها، نظرًا لما يتمتع به من مكانة قيادية واسعة وقدرة استثنائية على توحيد الصف الفلسطيني، حتى من خارج السجون أو حدود الوطن.
وتداولت بعض الأوساط إمكانية ترحيل البرغوثي إلى قطر أو إلى دولة أخرى حال الإفراج عنه، إلا أن مصادر أكدت أنه "قادر على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من أي مكان"، معتبرة إياه "امتدادًا لنهج ياسر عرفات في الكاريزما والعقلانية والوطنية".
دور أمريكي متجدد وتحركات إسرائيلية مرتقبة
في إطار محاولات دفع عجلة التفاوض، تدرس إسرائيل إرسال وفد رفيع المستوى إلى الدوحة حال أبدت حماس استعدادًا لمناقشة القضايا الجوهرية المطروحة.
كما من المرتقب وصول ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي، إلى العاصمة القطرية خلال الأسبوع الجاري، في خطوة تشير إلى تنسيق أمريكي مباشر يهدف إلى كسر حالة الجمود والضغط على الأطراف للوصول إلى تفاهمات عملية.
كارثة إنسانية في غزة تفرض نفسها على المشهد
في موازاة التفاوض السياسي، لا تزال الأوضاع الميدانية في قطاع غزة تتدهور بشكل كارثي.
فقد أصدرت فصائل المقاومة الفلسطينية بيانًا مشتركًا، أمس، حذرت فيه من "كارثة إنسانية غير مسبوقة" جراء العدوان المتواصل، مشيرة إلى أن سكان القطاع يواجهون ما وصفته بـ"حرب إجرامية فاشية" تشمل قصفًا عشوائيًا، وتطهيرًا عرقيًا، وتجويعًا متعمدًا.
ووفق البيان، أدت هذه الممارسات إلى نزوح جماعي وانتشار المجاعة والأوبئة، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
وأفادت التقارير الطبية بوصول أعداد هائلة من المواطنين – من جميع الفئات العمرية – إلى المستشفيات وهم في حالة إعياء شديد، بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية الأساسية، ما يعكس حجم الكارثة التي تضرب النسيج الاجتماعي والإنساني للقطاع.
وبين المعاناة اليومية في غزة، والتجاذبات السياسية على طاولة المفاوضات، يبقى ملف الأسرى أحد أعقد القضايا وأكثرها رمزية، سواء في وجدان الشعب الفلسطيني أو في حسابات إسرائيل الأمنية والسياسية. ومع استمرار العدوان وتعقّد المسارات التفاوضية، تظل الأنظار مشدودة إلى ما قد تحمله الأيام المقبلة من انفراجة محتملة أو تصعيد جديد يزيد من نزيف الدم والمعاناة.