"ربتله الحناء على الحناء جلس.. تعالوا يا ولاد عمّو شيدوله الفرس".. بهذا اللحن الشعبي العتيق تبدأ واحدة من أغرب الطقوس التي ما زال يحتفظ بها أهالي مركز إسنا جنوب الأقصر، حيث لا تُقام ليلة الحنة مثل باقي المحافظات، بل تتحول إلى طقس استحمام كامل للعريس بالحناء وسط أجواء لا تشبه إلا الصعيد.
يقول محمود عبد الجليل، أحد أبناء إسنا: "حنة العريس عندنا مش مجرد رسم بسيط على الكف زي باقي المحافظات، العريس بيتجهز بحوض كبير من الحنة مخلوطة بليمون ومية ورد، وبعدها بيجلس على الدكة بالجلباب الأبيض، وأصحابه يبدأوا يسكبوا الحنة على راسه وجسمه كله".
بينما يروي عبد الرازق محمد، من كبار السن: "الطقس ده بنعتبره رمز للبركة والطهارة، والحنة هنا ما بتتعملش للعريس بس، دي فرجة للبلد كلها، والنساء بيطلقوا الزغاريد مع كل مرة الحنة تتساقط على العريس، والطبول والزمامير شغالة لحد الفجر".
وتضيف أم هاني عبد المقصود، من نساء إسنا: "الأغاني الشعبية ليها طابع خاص في الليلة دي، بنغني مع بعض: الليلة الحنة وبكرة الدخلة، واتدلع يا عريس يا أبو لاسة نايلون، وأوعيله يا بت أوعيله، والأغاني دي بتتنقل من جيل لجيل، ولا يمكن تختفي من أفراحنا".
أما أحمد الطيب، من شباب القرية، فيصف المشهد قائلًا: "الليلة كلها مليانة بهجة، العريس بيتشال على الأكتاف قبل ما يقعد على الدكة، والعيال الصغيرة بتتزاحم عشان يشوفوا المنظر، والكل بيسابق عشان يشارك في سكب الحنة.. تحسي كأنها لعبة وفرحة في نفس الوقت".
ويختتم الحاج عبد الرحمن قائلا: "الحنة هنا مش بس عادة، دي ليلة بترجعنا لأصل الفرح الصعيدي.. كلنا بنشارك فيها، الغريب قبل القريب، وبتبقى ذكرى ما تتنسيش في حياة أي عريس".
هكذا تبقى ليلة الحنة في إسنا طقسًا غريبا ومميزا، يجمع بين الاستحمام بالحناء والأهازيج الشعبية، لتظل علامة فارقة في أفراح الصعيد، حيث يمتزج الفرح بالتراث في لوحة لا تتكرر إلا هنا.