قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نجاة عبد الرحمن تكتب: مصر.. حارس فكرة الدولة الفلسطينية

نجاة عبد الرحمن
نجاة عبد الرحمن

منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، عاد ملف حل الدولتين إلى صدارة النقاش الدولي، ليبرز كخيار استراتيجي وحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بطريقة عادلة ومستدامة. وبين تناقض المواقف الدولية وتشابك المصالح، برزت مصر كالدولة الأكثر ثباتًا ووضوحًا في التمسك بهذا الحل، معتبرة أن تجاهله أو الالتفاف عليه لن يجرّ إلا مزيدًا من العنف وعدم الاستقرار، ليس في المنطقة فحسب، بل على المستوى العالمي أيضًا.

مصر لم تكتفِ بالتصريحات الدبلوماسية التقليدية، بل طرحت رؤية عملية تبدأ بوقف فوري لإطلاق النار، يتبعه إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، ثم العودة إلى مفاوضات سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف يعكس إرث مصر الطويل في حماية القضية الفلسطينية، الذي يمتد من كامب ديفيد إلى رعاية اتفاق أوسلو، ومن جهود المصالحة الفلسطينية–الفلسطينية إلى إدارة ملفات التهدئة بين غزة وإسرائيل. لقد لعبت القاهرة دائمًا دور الوسيط الأوثق والأكثر مصداقية، سواء على المستوى العربي أو الدولي، بما يعكس قدرتها على الجمع بين الحكمة السياسية والمصداقية التاريخية.

على الصعيد الدولي، شهدت الأزمة تباينًا واضحًا في مواقف الدول الكبرى. فالولايات المتحدة، رغم انحيازها التاريخي لإسرائيل، بدأت تدرك أن أمن تل أبيب لن يتحقق دون وجود دولة فلسطينية مستقلة. تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة عن "حل الدولتين" جاءت تحت ضغوط داخلية وخارجية، لكنها تبقى رهينة التنفيذ الفعلي على الأرض، وهو ما يضع مسؤولية إضافية على كل الوساطات الدولية لضمان احترام التزامات الأطراف كافة. الاتحاد الأوروبي، من جانبه، بدا منقسمًا بين دعوات لوقف الحرب والعودة للتفاوض وبين ضغوط علاقاته مع إسرائيل، لكنه يظل متمسكًا بحل الدولتين كخيار استراتيجي طويل المدى، معتبرًا أن استمرار النزاع سيهدد الاستقرار الإقليمي والاقتصادي ويزيد من موجات اللاجئين والتطرف.

أما روسيا والصين، فقد استغلتا الأزمة لتسليط الضوء على فشل السياسات الغربية، ودفعا في مجلس الأمن نحو الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، وهو ما منح التحرك المصري غطاءً سياسيًا إضافيًا يعزز موقف القاهرة على الساحة الدولية. هذا التوازن بين القوى الكبرى يمنح مصر فرصة فريدة لتكون صوت العقل والوسطية، كما يؤكد أن الدور المصري ليس شكليًا، بل قائم على استراتيجية واضحة للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي.

في العالم العربي، رغم تباين المقاربات السياسية بين الدول، كان هناك إجماع على رفض التهجير القسري أو تصفية القضية الفلسطينية، بينما برزت مصر باعتبارها المرجعية العربية الأكثر تأثيرًا في تدويل الموقف والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. القاهرة، التي لطالما كانت في قلب المبادرات العربية، أثبتت قدرتها على الجمع بين العمل الدبلوماسي والضغط السياسي مع إدارة الأزمات الإنسانية بكفاءة عالية، بما يعكس التزامها بالقضايا العربية الكبرى.

الدور المصري لم يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل امتد إلى المجال الإنساني والاقتصادي، خصوصًا فيما يتعلق بقطاع غزة. فمصر تقوم بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود، وتدعم مشاريع إعادة الإعمار والخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والمستشفيات، بالتعاون مع المنظمات الدولية. هذه الجهود الإنسانية تعزز موقف مصر كمحاور موثوق به وتمنحها مصداقية إضافية في التفاوض على المستوى الدولي، إذ يظهر للجميع أن القاهرة لا تسعى وراء مصالح ضيقة، بل تعمل من منطلق المسؤولية تجاه شعب فلسطيني يعاني منذ عقود.

الإشادة الدولية بالدور المصري لم تكن مجاملة، بل اعترافًا بأن القاهرة تتحرك من منطلق المسؤولية القومية والإقليمية، لا من مصلحة ضيقة أو حسابات قصيرة المدى. فهي تدافع عن فلسطين، وعن الاستقرار الإقليمي، وعن حقوق الشعوب، وتظل صمام أمان يمنع الانزلاق نحو صراع واسع وغير محسوب العواقب. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل قدرة مصر على التوفيق بين الضغوط الإقليمية والدولية، فهي تسعى لتحقيق توازن بين تأمين مصالحها الوطنية، وحماية الشعب الفلسطيني، والحفاظ على الأمن الإقليمي.

على الصعيد الاستراتيجي، تظل مصر حارسًا لفكرة الدولة الفلسطينية، وصوت العقل الذي يذكّر الجميع بأن البديل عن حل الدولتين لن يكون سلامًا هشًا، بل حربًا مفتوحة بلا نهاية، تهدد الأمن الإقليمي والعالمي معًا. وبهذا، يصبح الدور المصري ليس فقط دبلوماسيًا وسياسيًا، بل رمزًا للاستقرار والتوازن في منطقة تتسم بالتقلبات المستمرة.

كما أن دور مصر يتجاوز مجرد الوساطة بين الأطراف المتصارعة، فهو يمتد إلى التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، والحفاظ على القدس الشرقية كعاصمة له، وهو عنصر أساسي في أي تسوية عادلة ومستدامة. ومصر، بقدرتها على التنسيق مع القوى الدولية والعربية، تقدم نموذجًا للعمل الدبلوماسي المتوازن، الذي يحقق مصالح كل الأطراف دون التفريط في الحقوق الفلسطينية أو المساس بمبادئ القانون الدولي.

في ظل هذه المعطيات، يصبح واضحًا أن مصر ليست مجرد وسيط عابر، بل هي الحارس الحقيقي لفكرة الدولة الفلسطينية، والشريك الاستراتيجي الذي يعتمد عليه المجتمع الدولي لضمان تحقيق حل عادل للنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي. ومن هذا المنطلق، فإن أي تجاهل لدور القاهرة أو الاستهانة بمواقفها لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، وزيادة العنف، وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.

وفي عالم يزداد اضطرابًا وتناميًا للصراعات، تبقى مصر صوت العقل والاعتدال، ودرع الاستقرار، وحارس الحقوق الفلسطينية، وصمام الأمان لمنع الانزلاق نحو صراعات مفتوحة بلا نهاية. هذا الدور يجعل من القاهرة محورًا لا غنى عنه في أي تسوية مستقبلية، ويعكس التزامها العميق بالقضايا العربية والإقليمية، ومسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني والأمن الإقليمي.