قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: احتراق الوجدان

د. عصام محمد عبد القادر
د. عصام محمد عبد القادر

رغم نبض القلوب، وتدفق الدماء في الشرايين، والأوردة بصورة منتظمة؛ إلا أن هنالك نزيفا للقوى يستهلك الطاقة الإيجابية؛ فيصبح الجسد منهكًا، والروح يغيب عنها أريج السعادة بأنسامها، ويتملك الإنسان منا حالة من الصمت، والذبول، والعزوف عن مناخ حياة مفعمة بالأحداث، وهنا نرصد حالة من الانطفاء؛ حيث سكون لهيب المشاعر، وجمود في النفس؛ حينئذ ندرك أن الوجدان أشد ضررا، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنه قد وصل إلى مرحلة الاحتراق.
ملامح احتراق الوجدان تبدو في شعور بالاغتراب يتملك الإنسان؛ إذ يصعب عليه أن يحدد مساره القويم، وسلوكه الصائب؛ فقد يؤدي مهامًا دون فقه لتفاصيلها، وقد يكرر حديثًا، لا يتعمق في فحوى معان تطلقها شفتاه، وقد يصعب عليه أن يمارس بصورة متوازنة ماهية الأخذ، والعطاء؛ فتتسع الفجوة بينه، وبين الآخرين ممن حوله، سواءً في عالم الواقع، أو عبر الفضاء المفتوح؛ ومن ثم تضيق أطر التواصل من مرحلة إلى أخرى.
الوجدان المحترق لا تطالع صاحبه، يميل إلى الرحمة، ولا يفضل فلسفة العطاء، ولا يتقبل ماهية التسامح، ولا يعترف بالصبر، وليس لديه مقدرة على التحمل؛ لكنه يتعامل بممارسات تدل على اللامبالاة، ويسرف في استخدام القسوة، ولا يهتم بتكوين علاقات اجتماعية، ولا يرسم سيناريوهات بناءة، تحمل أهدافًا، سواءً أكانت قريبة المدى، أم بعيدة الرجاء؛ إنها دون مواربة درجات انحدار للقيم، تذوي بفضائله، وشمائله لحالات، غير مرضية.
ثمت مفارقة بين معاناة تصيب الجسد، وتنهك قواه، وبين احتراق الواجدان، الذي ينال من العاطفة؛ فيحدث لها تفريغًا، ومن الإحساس؛ فيدفعه إلى صور الانسحاب المفرط، والمشاعر؛ ليحوّلها من مستويات الإيجابية إلى أقصى درجات السلبية، التي تفرز العدوانية في معدلاتها القصوى، وبالطبع تضير بالنفس، والغير؛ لكن انخفاض قوة البدن نسترجعها بمزيد من الراحة، التي لا تستغرق سوى بضع ساعات؛ ومن ثم تقع في حيز الإرهاق المؤقت، عكس الضرر، الذي يصب الوجدان؛ فيتطلب وقتا من الزمن، ليس بالقليل.
كل إنسان على ظهر البسيطة يمتلك المقدرة على العطاء النابع من طاقة يمتلكها، تمدّه بالحيوية، وتساعده على أن ينجز ما يستهدفه، وهنا نتطرّق صراحة إلى ماهية الاختيار، التي تجعل كل فرد يحدد مطالبه، ومساره؛ لكن عندما تتجمع المسببات، والمتغيرات، التي تفصلنا عما نطمح إليه، وما نرجوه، وما نترقب حدوثه، بل، وما نأمله، ويرغب فيه جموع من يتملك النفس؛ فإن هذا يشكل بداية حقيقية لاحتراق الوجدان.
نحن في أمسّ الحاجة؛ لتخفيف آثار الاحتراق، التي تصيب طاقة الوجدان، وتخلف سلبيات يصعب التعاطي معها، إذا ما عطب هذا المكون الأصيل في كيان الإنسان؛ لذا تعالوا بنا نؤكد على ضرورة التعامل السريع مع ما يفقد الحماسة فينا، ويصيب صدورنا بالضيق، ويسرع من وتيرة الغضب، ويسهم في تعزيز الانسحابية، خاصة في المواقف الضاغطة، ودعونا نولى أبداننا رعاية تستحقها؛ فتتناغم الصحة البدنية مع النفسية؛ فتصير الصحة العامة في أوج نشاطها؛ ومن ثم نستثمرها بطرائق إيجابية.
ترياق الوجدان يحتاج إلى حديث الطمأنينة؛ لنخرج بهدوء ما يجول في صدورنا، وما يرد في خلد خواطرنا، سواءً أكان للذات، أم منْ نوليه الثقة، ونجد منه المصداقية، والأمان، هنا يلوح في الأفق ارتياحًا، يجعلنا نستعيد نشاطنا، ونجدد حتمًا طاقتنا، وحينما نصل إلى حالة الاتزان، نتوجه سريعًا؛ لتدشين أهداف في حياتنا، تشفى لهيب الشغف، وتمنحنا بوابة الولوج إلى الطموح المشروع، وهذا بالطبع يؤكد في نفوسنا أهمية فقه سُلّم الأولويات؛ لنخرج من حالة التسامي، قادرين على تحمل المسئولية تجاه واقع نرسم ملامحه بأيدينا.
الاحتراق لا نعني به دمار الإنسان في صورته الجامدة، بل، مرحلة تشكل خطرًا عليه؛ كي لا يقع في براثن أمراض مستعصية، تشكل حجر عثرة في تقدمه؛ لذا أضحى الوعي بصورته ضرورة تساعدنا في تجرع العلاج قبل فوات الآوان؛ فننهض عن إطار المثالية، ونقف على أرض الواقع، الذي من خلاله نمارس كل ما يخرجنا من حالة الركود إلى واحة العطاء المستدام؛ ومن ثم نحقق التوازن بين مطالب الروح، والجسد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.