قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

شحاتة السيد يكتب: هل يقود المحافظ ومدير أمن أسيوط ملف المصالحات الثأرية من جديد؟

شحاتة السيد
شحاتة السيد

حين نتحدث عن الأمن في أسيوط، فإننا لا نتحدث عن أرقام وإحصاءات باردة، بل عن واقع يومي يلمسه المواطن في حياته العادية، وعن جهود متواصلة تبذلها مديرية الأمن تحت قيادة اللواء وائل نصار، الذي استطاع خلال فترة قصيرة أن يعيد صياغة العلاقة بين المواطن ورجل الشرطة على أساس من الاحترام المتبادل والثقة المتجددة لدرجة أنه لم يعُد الأمن في أسيوط مجرد واجب مؤسسي، بل أصبح مشروعاً مجتمعياً تشارك فيه الشرطة مع المواطنين من أجل غاية واحدة: الحفاظ على السلم العام وتجنيب الأجيال الجديدة شبح الثأر والصراعات الممتدة عبر العقود، لكن ورغم كل هذه الجهود التي تستحق الإشادة مازال ملف المصالحات في الخصومات الثأرية بحاجة إلي تفعيل جاد برعاية ودعم أمني قوي كما كان في السابق أيام اللواء جمال شكر مدير أمن أسيوط الأسبق رحمه الله الذي قاد هذا الملف بكل براعة وأطلق مبادرة أسيوط بلا ثأر، ونجح رحمة الله عليه في إنهاء عشرات الخصومات بالتصالح في شتى مراكز المحافظة.

ومما لا شك فيه أن هذه النتائج الإيجابية تعكس جهدًا منظمًا لمنظومة كاملة من الضباط ذوي الخبرة والكفاءة العالية، بدءًا من السيد مدير المباحث الجنائية، مرورًا بمفتشي الأفرع، وصولًا إلى مأموري المراكز ورؤساء المباحث ومعاونيهم.
هؤلاء هم الجنود الحقيقيون في الميدان، الذين يجمعون بين الحرفية والانضباط، ويثبتون يومًا بعد يوم أن الأمن في أسيوط لم يعد مجرد شعارات، بل ممارسة فعلية لها أثر مباشر في حياة الناس اليومية، ولعلني كمواطن أسيوطي أعود إلى قريتي بين الحين والآخر لمست هذا عن قرب ولاحظت هذا التغير الملحوظ في الفلسفة الأمنية التي تعيد تشكيل العلاقة مع المواطن وتوطد العلاقة معه من جديد.

ولا يمكن الحديث عن هذه المنظومة دون التوقف عند مركز شرطة البداري بلدي الحبيب، الذي ظل لسنوات طويلة أحد أكثر المراكز حساسية بسبب امتداد قضايا الثأر لعقود متعاقبة. ولعل البداري كان يشكل تحديًا خاصًا لجهاز الأمن، لكنه في الوقت ذاته كشف عن قدرات استثنائية لضباطه، بدءًا من مأموريه السابقين والمأمورالحالي، مرورًا برؤساء المباحث  على رأسهم المقدم محمود بدوي ومعاونيهم المتعاقبين، الذين أداروا ملفات معقدة بحكمة واقتدار، فكانوا جزءًا أصيلًا من نجاح مديرية الأمن في تقليص حدة النزاعات، ومنع انفجارها في لحظات كان من الممكن أن تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
العمل في البداري  كان ولا يزال عنوانًا للتحدي، إذ إن القضايا الثأرية الممتدة عبر الأجيال لا تُحل بسهولة، ولا تنتهي بقرارات فوقية أو إجراءات وقتية بل تحتاج إلى نفس طويل، وإدارة واعية، وضبط ميداني يضمن عدم انفلات الأوضاع. 
وهنا يظهر الدور الكبير للسيد مأمور المركز وضباط المباحث، الذين نجحوا في الإمساك بزمام المبادرة في لحظات فارقة، فأجهضوا محاولات لتجدد دوائر الدم، وأعادوا الأمور إلى مسارها الصحيح. وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا التعاون الوثيق بين قيادة المديرية ممثلة في اللواء وائل نصار، ورجال الصفوف الأمامية مع ضباط المباحث والأفراد الذين يقفون كل يوم في مواجهة مباشرة مع واقع شديد التعقيد.

لكن، ورغم هذه النجاحات الأمنية التي لا يختلف عليها اثنان، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يمكن أن تنتقل مديرية الأمن من مرحلة السيطرة الأمنية إلى مرحلة صناعة السلام الاجتماعي عبر تبني ملف المصالحات بشكل كامل؟ 
إن الواقع يؤكد أن المصالحات في الصعيد لا يمكن أن تكتب لها الاستمرارية والنجاح إلا إذا تمت تحت برعاية أمنية صارمة، تفرض احترام ما يتم الاتفاق عليه وتمنع أي محاولة للنكوص عنه. فالتجارب السابقة أوضحت بما لا يدع مجالًا للشك أن غياب الغطاء الأمني يجعل هذه المصالحات هشة، سهلة الانهيار عند أول خلاف.

وهنا يبرز دور اللواء وائل نصار، الذي أثبت خلال فترة وجيزة أنه قادر على الجمع بين الانضباط الحازم والقدرة على احتواء المجتمع وأن تبنيه لملف المصالحات لن يكون مجرد امتداد لنجاحاته السابقة في خفض معدلات الجريمة، بل سيكون بمثابة نقطة تحول تاريخية في العلاقة بين المواطن والدولة، بين القرية والمدينة، بين الماضي المثقل بالدم والمستقبل الذي يتطلع إلى التنمية.

ولعل أبرز ما يجعل هذه الخطوة ممكنة وضرورية في الوقت نفسه هو حالة الثقة التي بدأت تعود بين المواطن الأسيوطي وجهاز الشرطة. هذه الثقة هي الركيزة الأساسية لأي مبادرة مجتمعية كبرى لأنه إذا شعر المواطن أن الدولة جادة في حمايته وفي حماية اتفاقات الصلح، فإنه لن يتردد في الانخراط مع هذه المبادرات، بل سيصبح جزءًا فاعلًا في إنجاحها. وعلى العكس، إذا غابت هذه الثقة، فإن أي جهد للمصالحة سيكون مهددًا بالفشل مهما كانت النوايا حسنة.

إننا اليوم أمام لحظة فارقة؛ فأسيوط التي نجحت في خفض معدلات الجريمة وتثبيت دعائم الأمن، مدعوة الآن إلى الانتقال إلى مستوى جديد من الإنجاز، وهو إنهاء القضايا الثأرية الممتدة لعقود، خاصة في مراكز مثل البداري التي دفعت ثمنًا باهظًا من الدماء والاستقرار. وهنا فإن المسؤولية مشتركة، تبدأ من قيادة المديرية، والسادة مأموري المراكز وضباط المباحث، هؤلاء الذين نوجه إليهم اليوم دعوة صريحة، وفي مقدمتهم محافظ أسيوط ومدير الأمن وكل الضباط في كافة القطاعات ولا أنسى المقدم حسام نجيب رئيس مباحث البداري والنقيب هشام العربي معاون مباحث البداري، ومعهم كل ضباط المباحث، بأن يتبنوا هذا الملف بروح المبادرة، وأن يجعلوا من مركز البداري نقطة انطلاق لمشروع مصالحة كبرى، تكون قدوة لبقية المراكز.

نجاح هذا المشروع لن يكون مجرد انتصار أمني، بل سيكون انتصارًا اجتماعيًا وإنسانيًا يعيد صياغة الذاكرة الجمعية للمجتمع الأسيوطي. فالصلح الذي يتم برعاية أمنية قوية، ويشارك فيه الأهالي والقيادات الشعبية والدينية، سيكون له من الأثر ما يتجاوز لحظة التوقيع، إلى بناء سلام اجتماعي طويل المدى. سلام يعيد للقرى استقرارها، وللأسر أمانها، وللأبناء حقهم في مستقبل لا تحكمه ثارات الماضي.

إنها مسؤولية كبيرة بلا شك، لكن التاريخ لا يذكر المترددين، بل يذكر من امتلكوا الشجاعة لاقتحام الملفات الصعبة. واللواء وائل نصار أمام فرصة تاريخية لتسجيل اسمه في ذاكرة أسيوط، ليس فقط كقائد أمني نجح في خفض معدلات الجريمة، بل كقائد مجتمعي استطاع أن ينهي واحدة من أعقد الظواهر الاجتماعية في الصعيد. هذه الفرصة تحتاج إلى تضافر كل الجهود، وإلى أن يضع كل ضابط بصمته، من المديريات إلى المراكز، ومن المكاتب إلى الشوارع.