جاء الاعتراف بدولة فلسطين، انعكاسا لغضب شعبي عالمي واحتجاجات متزايدة تعكس الحرج الدولي لحكومات الدول الأوروبية أمام شعوبها، في ظل سياسات التجويع والقتل للشعب الفلسطيني الأعزل منذ السابع من أكتوبر، وليشكل مكسبا معنويا يضفي شرعية على المطالبة بحقوق الفلسطينيين التي نص عليها القانون الدولي وصدرت بها قرارات دولية منذ عقود، وأهمية كبيرة لاتساع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.
فبعد سنوات من التواري وتراجع الشغف الدولي بالقضية الفلسطينية، والذي تفاقم في ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأولى باعتراف حكومته بالقدس كعاصمة لإسرائيل عام 2017 ، ليكون عاما حزينا لفلسطين مثل نقطة مفصلية لتقويض حل الدولتين .
وفي خريف 2023 وبعد عملية طوفان الأقصي تعود المسألة الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام الدولي مرة أخرى لكن على وقع إزهاق أرواح الأبرياء والتخريب، والمفارقة هنا حضرت القضية الفلسطينية سياسيا لكنها كانت تخسر الأخضر واليابس على أرض الواقع المرير المخلوط بدماء الأطفال والنساء والعجائز.
وتستمر آلة القتل في حصد أرواح الأبرياء بلا هوداة لتهب شعوب العالم تنديدا بهذه الجرائم الغاشمة، وكان لا بد لحكومات تلك الدول من رد يناسب احتجاجات شعوبهم وجاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لكن ماذا بعد الاعتراف الذي أعطى دفعة معنوية للشعب الفلسطيني، ومثل صفعة قوية للكيان الصهيوني، ولوّح إلى فشل السياسة الإسرائيلية وتخلي الحكومات الغربية عن دعمها اللامشروط للكيان الغاصب المحتل بسبب سياسات التطهير العرقي.
نعم منح الاعتراف بالدولة الفلسطينية دفعة قوية لها أثر معنوي، لكن هل إلى المدى الذي يصطدم بموازين القوى الدولية؟، بالطبع لا، فأي استجابة لحقوق الشعب الفلسطيني لا بد أن تمر عبر مسارات تتحكم في خيوطها الولايات المتحدة.
ففي ظل ما يسمى بالنظام العالمي الموجود حاليا تبقى مكاسب هذا الاعتراف دون جدوى، طالما لم تحظ بموافقة البيت الأبيض، الذي لن ينحاز لما يمكن أن يزعج تل أبيب، ومن ثم فلا جديد في اللعبة السياسية.
وهل فعلا الدول الغربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية لا تملك حقا أوراق ضغط اقتصادية وسياسية ودبلوماسية أخرى؟.. لا أظن.
وهل سيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات لإجبار حكومة تل أبيب على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية؟ لا أظن، لأنها تدرك أن إسرائيل بالفعل ترفض الجلوس على طاولة المفاوضات.
والسؤال الجوهري الأهم هل أصبح المواطن الفلسطيني الموجود على خط النار في حاجة الآن إلي الاعتراف بدولته، أم أن أولويتة الحالية السعي للنجاة بوقف حرب الإبادة ، فلا وجود لدولة فلسطينية بدون شعب وهو ما يجعل هذا الاعتراف بلا معنى.
وأخشى ما أخشاه في ظل توسيع سلطات الاحتلال العمليات العسكرية، بالمزيد من الانتهاكات والاجتياح الشامل الذي لن يتوقف عند غزة وسيشمل الضفة الغربية بتقطيع أوصالها، وتعزيز الاستيطان بها وتحويل ما تبقى من تجمعات فلسطينية فيها إلى جزر منعزلة، أن لا تجد تلك الدول ما تعترف به قائما على أرض الواقع بعد السياسات الانتقامية وسياسة حرق الأرض ، حتى يتم تفريغ القضية من مضمونها وبعد أن أصبح الكيان الفلسطيني لا يملك مقومات الدولة وفق معايير القانون الدولي للأسف.
فرغم أهمية تلك الاعترافات إلا إنها لا تتعدي خانة المكاسب الرمزية، وأتمنى أن لا تصبح مع الوقت أثرًا بعد عين ، وأن تكون هناك رغبة دولية جادة لوقف المذابح وعمليات التطهير العرقي التي تجرى على أرض فلسطين الحبيبة.