قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذل لأصحابه الحب، وعلمهم الحب.
واستشهد جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية، بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» وكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وآله وسلم يُنَادِيهِمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
واستشهد بقول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ....}.
وأشار الى أن حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنبض بالحب؛ فالحب في سيرته العطرة كان مقصدًا وغاية، وكذلك كان دافعًا ومحركًا. ويمكننا أن نتوقف عند كل مشهد في سيرته العطرة -وإن بدا قصيرًا بسيطًا- إلا أننا إذا دققنا النظر إليه وجدناه يتدفق بمعان الحب العالية.
ولذلك انتقينا أحد المشاهد التي تبرز فيها وتتجلى معاني المحبة والتفاني والإيثار، والتي وصلت في أحيان كثيرة إلى التضحية بالنفس أو المال من أجل قيمة الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
في وقعة الأحزاب أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان ليستطلع له أخبار القبائل التي حاصرت المدينة، وكان ذلك ليلًا في يوم شديد البرد، فلم يشعر حذيفة بالبرد حتى أدى المهمة.
يقول حذيفة : «فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ : قُمْ يَا نَوْمَانُ».
[قُرِرْتُ : وَجَدْتُ مَسَّ البَرْدِ].
فإن رسول الله اهتم بأمره، ولازمه حتى نام، ثم أتاه صباحًا يطمئن عليه ويداعبه برقة.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوزع عليهم حبه، حتى إن كل واحدٍ منهم كان يظن أنه أقرب أصحابه إلى قلبه. قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه: «مَا حَجَبَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِى إِلاَّ ضَحِكَ».
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يأتيه أحد بشيءٍ عن أصحابه يُوغر صدره على أحدهم أو يحمله على تحاشيه أو تجنبه.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «لاَ يُبَلِّغْنِى أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِى عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
وصدق فيه قول ربه عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.