قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. هبة عيد تكتب: المزحة التي خرجت عن السيطرة.. عندما يتحول الذكاء الاصطناعي إلى فوضى رقمية

د. هبة عيد
د. هبة عيد

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية متطورة نتابع أخبارها في العالم، بل أصبح جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، يتسلل إلى تواصلنا، وتعليمنا، وأحيانًا… إلى عقول أبنائنا دون أن ندري. 

وبينما تتقدم بعض المجتمعات بخطوات ثابتة للاستفادة منه في التعليم والبحث العلمي وريادة الأعمال، ظهر في المقابل اتجاه سلبي يستغل هذه التقنية بشكل عبثي، خصوصًا بين بعض المراهقين والشباب على شبكات التواصل الاجتماعي.

انتشرت في الآونة الأخيرة موجة من ما يسمى بمقاطع المقالب المصطنعة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث يتم استخدام أدوات التزييف الصوتي والبصري لتقليد أشخاص، أو اصطناع مواقف مضللة، أو نشر محتوى ساخر مسموم تحت شعار "مجرد هزار". ومع الوقت، خرجت المزحة عن إطارها الطبيعي لم تعد بريئة ولا مضحكة، بل تحولت إلى تشويه، وتنمّر، وابتزاز، واختراق للخصوصية.

المشكلة هنا ليست في الذكاء الاصطناعي نفسه، فهو في جوهره أداة؛ يمكن أن يصنع نهضة معرفية أو يشعل فوضى أخلاقية. الخطر الحقيقي يكمن في العقل الذي يستخدمه فهل يوجهه بعلم ووعي؟ أم يطلقه بلا قيم ولا مسؤولية؟.

ما لا يدركه البعض بأن ما يسمى "مقلبًا" اليوم قد يتحول غدًا إلى قضية قانونية، أو أزمة نفسية لشخص ما، أو فتنة اجتماعية تترك أثرًا لا يمحى. فهناك من فقدوا وظائفهم بسبب محتوى مزيف، وهناك من تعرضوا للتشهير، ومن انسحبوا اجتماعيًا بسبب ضغوط السخرية الرقمية. تلك ليست تسلية… بل عنف رقمي يرتدي قناع الضحك.

وبرغم ذلك، لا يمكن أن نقف أمام المشهد مكتوفي الأيدي. لسنا ضد التطور، ولا نخشى التقنية، بل نحن ضد استخدامها بلا وعي. لذلك أصبح من الضروري أن يتحول المجتمع بكل مؤسساته—الأسرة، والمدرسة، والإعلام، والمسؤولين—إلى خط دفاع تربوي وأخلاقي يحمي الأجيال من الانجراف خلف الاستخدام السلبي للتكنولوجيا.

وهنا تظهر أهمية المبادرات التوعوية التي تهدف إلى غرس ثقافة المسؤولية الرقمية، وتعليم مهارات الأمان الإلكتروني، وترسيخ قيم الاحترام والأخلاق أثناء استخدام الذكاء الاصطناعي. فالتوعية لم تعد رفاهية، بل أصبحت واجبًا وطنيًا وإنسانيًا؛ لأن حماية العقول لا تقل أهمية عن حماية الحدود.

إننا لا نحارب الضحك أو الإبداع أو التكنولوجيا، بل نحارب الفوضى حين ترتدي ثوب التكنولوجيا. واليوم، نحن بحاجة إلى جيل لا يخاف من الذكاء الاصطناعي بل يفهمه، لا يستخدمه للسخرية بل للإبداع، لا ينجرف بهوية رقمية مزيفة بل يبني هويته الواعية الحرة.

وفي النهاية علينا أن نعلم بأن المزحة التي تجرح ليست مزحة، والذكاء بلا أخلاق يصبح خطرًا، والتقنية بلا وعي تتحول إلى سلاح. ومن هنا تبدأ مسؤوليتنا جميعا، أن نصنع وعيًا يحمي الإنسان قبل أن يواكب العصر.