قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غاية الدقة في اختيار الألفاظ المتقاربة في المعنى، مبينًا أن هذا من دلائل فصاحته وبلاغته المعجزة، وضرب مثالًا على ذلك بحديث سيد الاستغفار الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت...».
وأوضح رئيس جامعة الأزهر، في تصريح له، أن الوقوف عند كلمتي العهد والوعد في هذا الحديث يكشف عن دقة استعمال الألفاظ النبوية، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا لطيفًا بين الكلمتين، فـ«العهد» يُقصد به ما قطعه الإنسان على نفسه في الماضي، أما «الوعد» فهو ما ألزمه الإنسان نفسه به في المستقبل.
وتابع: أن العهد يقتضي الوفاء لأنه أمر مضى، بينما الوعد يقتضي الإنجاز لأنه متعلق بما سيأتي، ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في قوله «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»، أي أنه ملتزم بما عاهد الله عليه فيما مضى، وبما وعده به في المستقبل انتظارًا لرحمته وفضله.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن هذا الجمع النبوي البليغ يجسد كمال الأدب مع الله، ودقة البيان في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، لافتًا إلى أن تأمل مثل هذه الفروق اللفظية الدقيقة يكشف عمق البلاغة النبوية وجمال التعبير في السنة المطهرة.
الفرق بين الإيمان والإسلام
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن من مظاهر إعجاز اللغة العربية في القرآن الكريم والسنة النبوية استعمال الألفاظ في مواضعها الدقيقة، موضحًا أن من يراعي هذه الفروق اللفظية هو البليغ الذي يضع كل كلمة في موضعها الصحيح، وهو ما سماه الإمام الخطابي بـ"عمود البلاغة".
وأوضح رئيس الجامعة، في تصريح له، أن من الكلمات التي قد يظن الناس ترادفها، كلمتي الإسلام والإيمان، مشيرًا إلى أن بينهما فرقًا دقيقًا لا يدركه إلا المتأمل في النصوص الشرعية.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء على الميت: "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان"، مبينًا أن استعمال لفظ "الإسلام" في حال الحياة يشير إلى معنى الاستسلام والانقياد لله مع وفرة النشاط والقوة، بينما ورد لفظ "الإيمان" في حال الوفاة لأنه تصديق قلبي يناسب من انتهى أجله واستعد للقاء الله.
وأكد الدكتور سلامة داود، أن هذا الترتيب الدقيق في الألفاظ يعكس عمق البيان النبوي وثراء اللغة العربية، وأنه لا يجوز استعمال كلمة مكان الأخرى إلا في الموضع الذي تقتضيه البلاغة والدقة في التعبير، كما أنه يبرز كمال اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ويؤكد ضرورة تدبر النصوص وفهم دلالاتها على ضوء لغة الوحي.