لم تكن قمة شرم الشيخ للسلام مجرد قمة عادية ففيها كثير من التحليلات سواء تحليل كلمات الرؤساء أو تحركاتهم وفيها أيضا كثير من النجاحات للدور المصري الفاعل فيها.
فمن يتابع خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي ثم كلمته في قمة شرم الشيخ للسلام يدرك أن الرجل لم يتغير بين ليلة وضحاها بل أعاد ترتيب أوراقه تحت ضغط سياسي محكم وبتكتيك مصري ذكي أعاد رسم ملامح المشهد الإقليمي.
ترامب .. وهذه ليست وجهة نظري ولكنها الحقيقة .. هو رجل المال والإعلام الذي لا يتحرك بدوافع إنسانية أو عاطفية بل وفق حسابات الربح والخسارة.
هذا مبدأ يجب أن تفهم كلمات وسياسات ترامب وفقه .. فالمؤكد أن إسرائيل بالنسبة له ليست دولة بل منصة نفوذ.. تجمع بين المال اليهودي والإعلام الأميركي.. وهي القاعدة التي أوصلته يوما إلى البيت الأبيض. لذلك فإن إعلانه المفاجئ عن دعمه للاتفاق ووقف إطلاق النار في غزة ليس تحولا عاطفيا بل استجابة لحقائق جديدة فرضتها القاهرة والعواصم الإقليمية.
الخطاب العاطفي لترامب في الكنيست والذي خاطب فيه أهالي الرهائن الإسرائيليين كان أشبه بعرض مسرحي مقصود لجذب التعاطف الشعبي داخل إسرائيل واستعادة ثقة اللوبي اليهودي في واشنطن.. وكأنه يكرس لفكرة أن السلام يعني أمن إسرائيل وحدها.
التحول الحقيقي لم يكن في واشنطن بل في القاهرة.. فقد نجحت الدولة المصرية عبر أجهزتها السياسية والاستخباراتية والدبلوماسية في بناء شبكة تفاهمات غير معلنة.. جمعت اطرافا متناقضة حول هدف واحد وهو كبح اندفاع إسرائيل واحتواء تهور ترامب.
فقد تشكل ضغط مصري متعدد الاتجاهات .. من قطر إلى تركيا مرورا بالإمارات والسعودية وصولا إلى العواصم الأوروبية والإسلامية.. فقد تشكل هذا الضغط متعدد الاتجاهات والذي أجبر ترامب على التراجع خطوة للخلف.
الدهاء المصري تجلى في القدرة على توزيع المكاسب بذكاء.. كل طرف حصل على ما يرضي مصالحه.. بينما احتفظت القاهرة بموقع صانع التوازن وصوت العقل في أكثر مناطق العالم اشتعالا واضطرابا .
ما حدث في شرم الشيخ لم يكن اتفاق سلام بقدر ما كان استعراض لنتائج معركة دبلوماسية خفية تحركت فيها أجهزة الدولة وانتصرت فيها مصر دون أن تطلق رصاصة واحدة. أما ترامب فظل كما هو تاجر صفقة يحاول بيع الخسارة على أنها انتصار.