في مشهد يختلط فيه الدبلوماسي بالإنساني، والسياسي بالرمزي، ادلي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة يوم الثلاثاء، عقب قمة شرم الشيخ للسلام، التي جمعت تحت مظلتها أكثر من ثلاثين دولة ومنظمة إقليمية ودولية.
القمة التي احتضنتها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تكن مجرد لقاء سياسي لإنهاء حرب، بل كانت لحظة تاريخية أعادت فيها مصر إلى الواجهة الدولية، كمنصة للحوار وصانعة للتوازن في منطقة أنهكتها الصراعات.
وفي اليوم التالي لانعقاد القمة، فاجأ ترامب العالم بتصريحات صاخبة، جمعت بين نبرة القوة والتهدئة، معلنًا أن الرغبة في السلام بالشرق الأوسط غير مسبوقة، وأن الجميع "يريد السلام الآن أكثر من أي وقت مضى".
ترامب: “الجميع يريد السلام.. ولن نسمح باستمرار الفوضى”
في تصريحات نقلتها قناة "القاهرة الإخبارية"، قال ترامب إن الشرق الأوسط يقف أمام فرصة نادرة للسلام الدائم، مؤكدًا أن "الجميع كان يرغب في ذلك منذ سنوات، لكن الآن الرغبة حقيقية وغير مسبوقة".
وأضاف الرئيس الأمريكي أن إدارته "تحدثت مع حركة حماس" التي بحسب تعبيره أبلغته استعدادها لنزع سلاحها والتخلي عن المقاومة المسلحة، مشددًا على أنه في حال لم تفعل "فسيتم نزع سلاحها بالقوة"، قائلاً بلهجته المعهودة: “إذا لم تتخل عن سلاحها، سنجردها منه، وربما بسرعة وعنف”.
تصريحات ترامب أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط الدبلوماسية، إذ تعكس، وفق محللين، تحولًا في اللغة الأمريكية من الضغط العسكري إلى فرض واقع سياسي جديد، قائم على الاستقرار وإعادة الإعمار، لا على الحروب المفتوحة.
غزة بعد الحرب.. العشائر تدعو للانضباط وترفض الفلتان
في الوقت ذاته، خرج تجمع القبائل والعشائر في قطاع غزة ببيان حازم، أعلن فيه رفضه لأي مظاهر فوضى أو انفلات أمني عقب توقف القتال، مشيرًا إلى أن بعض “الفئات المارقة” حاولت استغلال غياب الأمن خلال الحرب.
وقال البيان: “نشد على أيدي الجهات الأمنية في ضبط الأمن وردع المعتدين وإنهاء الفوضى بسرعة وحزم، ونعلن رفع الغطاء العشائري والعائلي عن كل من يهدد سلمنا الأهلي”.
هذه الرسالة، بحسب مراقبين، عكست رغبة داخلية فلسطينية في تثبيت الاستقرار، توازي الجهود السياسية الإقليمية والدولية التي قادتها مصر للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
ترامب يثير الجدل بمغازلة ميلوني في قمة السلام
لكن قمة شرم الشيخ لم تكن خالية من المواقف الطريفة التي أثارت ضحك القادة والصحفيين على حد سواء.
فقد سرق الرئيس الأمريكي الأضواء حين أطلق سلسلة من التعليقات الطريفة على رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، التي كانت المرأة الوحيدة المشاركة في القمة، واصفًا إياها بأنها "شابة جميلة وناجحة للغاية"، قبل أن يضيف بابتسامة عريضة: “ليس من المفترض أن أقول ذلك، لأن حياتك السياسية قد تنتهي لو قلت إن امرأة جميلة، لكني سأخاطر بذلك!”
واستمرت اللقطة حين بحث ترامب بعينيه عن ميلوني في القاعة قائلاً: “أين هي؟ هل يزعجك إن قلت إنك جميلة؟ لأن ذلك صحيح، إنك تحظين باحترام كبير في إيطاليا”.
ابتسمت ميلوني وردت بابتسامة دبلوماسية خجولة، فيما علت الضحكات داخل القاعة التي غلب عليها الطابع الجاد قبل لحظات فقط.
ضحكات دبلوماسية بين ميلوني وأردوغان وماكرون
المشهد لم يتوقف عند حدود ترامب، إذ التقطت الكاميرات مشهدًا آخر جمع ميلوني بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي بادرها بدعابة لطيفة قائلاً: “تبدين في حالة رائعة، لكن يجب أن أجعلك تتوقفين عن التدخين بطريقة ما”، لترد مازحة: “أعرف، أعرف”.
هذا الحوار الطريف جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشاركهما الضحك، في مشهد نادر جمع بين خفة الظل والتقارب الإنساني وسط قمة سياسية مشحونة.
صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية علّقت على الواقعة بقولها إن “لحظات كهذه تُظهر الجانب الإنساني في اللقاءات الدبلوماسية، وتكشف أن الزعماء، رغم الخلافات، يمكن أن يتعاملوا ببساطة إنسانية”.
مصر تعيد هندسة الدبلوماسية الإقليمية
ورغم الأجواء الطريفة التي خففت من توتر المشهد الدولي، فإن قمة شرم الشيخ للسلام في غزة كانت لحظة فارقة في السياسة الإقليمية.
فمن مدينة السلام، أعلن الرئيسان عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب توقيع اتفاقية شرم الشيخ للسلام، بحضور قادة قطر وتركيا، لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وبدء مرحلة إعادة الإعمار بإشراف دولي وإقليمي.
الاتفاق لم يكن مجرد وثيقة سياسية، بل شهادة جديدة على دور مصر المحوري في إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط، بعد عامين من العنف والدمار في القطاع، وغياب الأفق الدبلوماسي.
القمة نقطة تحول في موقع مصر الدولي
قال الدكتور رمضان مَعن، رئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بجامعة طنطا، إن انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام، التي جمعت أكثر من 20 من قادة وزعماء العالم، تُعد حدثًا استثنائيًا على المستويين السياسي والاقتصادي، لما تمثله من منصة عالمية تعيد وضع مصر في مركز التأثير الدولي والإقليمي، مؤكدًا أن مصر ستجني ثمارًا اقتصادية مباشرة وغير مباشرة من وراء هذا التجمع الدولي الكبير.
وأوضح الدكتور مَعن أن استضافة مصر لهذه القمة تعزز صورة الدولة كمركز استقرار سياسي وأمني في المنطقة، وهو ما ينعكس إيجابيًا على ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية، مشيرًا إلى أن الأسواق عادةً ما تتفاعل إيجابًا مع مظاهر الاستقرار السياسي والدبلوماسي، وهو ما يفتح الباب أمام تدفقات استثمارية جديدة، ويزيد من الاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة.
تعزيز المكانة الاقتصادية لمصر
وأضاف الخبير الاقتصادي أن استضافة هذه القمة في مدينة شرم الشيخ، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من القادة الأوروبيين والعرب، يُعد رسالة ثقة دولية في الاقتصاد المصري، وفي قدرة الدولة على إدارة الملفات المعقدة بحكمة واتزان، مؤكدًا أن هذه الثقة ستُترجم قريبًا في زيادة الاستثمارات في قطاعات الطاقة والسياحة والخدمات المالية.
وأشار إلى أن القمة تُسهم كذلك في تنشيط قطاع السياحة، خاصة في مدينة شرم الشيخ التي أصبحت مركزًا عالميًا للمؤتمرات الدولية، موضحًا أن هذا النوع من الأحداث يرفع نسب الإشغال الفندقي، وينعش الطيران المدني، ويولد عوائد نقدية مباشرة تدعم الاقتصاد المحلي.
التأثير على التجارة والملاحة العالمية
وأكد الدكتور مَعن أن عودة الاستقرار الإقليمي بعد هذه القمة سيؤدي إلى استئناف حركة السفن في قناة السويس، وعودة النشاط التجاري الدولي إلى مستوياته الطبيعية، وهو ما يمثل دفعة قوية للإيرادات القومية، مشيرًا إلى أن قناة السويس تمثل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، وأي استقرار في المنطقة ينعكس فورًا على زيادة العائدات وتحسين ميزان المدفوعات.
استقرار سياسي يُعزّز النمو الاقتصادي
وأوضح أن نجاح قمة شرم الشيخ في ترسيخ أسس السلام في الشرق الأوسط سيعطي دفعة قوية لمؤشرات الاقتصاد الكلي في مصر، مضيفًا أن الاستقرار السياسي شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، وأن القمة بعثت برسالة واضحة بأن مصر قادرة على قيادة التوازن الإقليمي وتحقيق الأمن الجماعي.
مصر مركز السلام والتنمية
واختتم الدكتور رمضان مَعن تصريحه مؤكدًا أن مصر اليوم تُثبت أنها ليست فقط منبرًا للسلام السياسي، بل أيضًا قاطرة للتنمية الاقتصادية الإقليمية، وأن انعقاد قمة بهذا الحجم على أرضها يُعد استثمارًا في سمعة الدولة وقدرتها على استضافة الأحداث الكبرى، مما يُعيد رسم خريطة الاستثمار والسياحة في المنطقة لصالح الاقتصاد المصري.
وأضاف أن القيادة السياسية المصرية، برؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، استطاعت أن توظف الدبلوماسية الاقتصادية في خدمة الأمن القومي والتنمية المستدامة، وهو ما يجعل من قمة شرم الشيخ نقطة تحول حقيقية نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وازدهارًا لمصر والمنطقة بأسرها.
من شرم الشيخ يبدأ الأمل
وهكذا، لم تكن قمة شرم الشيخ مجرد اتفاق لوقف حرب، بل كانت إعلانًا عن ميلاد مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، وتعود فيها مصر لتقود دفة الحوار، كما فعلت في مراحل تاريخية فارقة.
من كلمات ترامب المثيرة إلى لحظات الضحك بين القادة، ومن توقيع الاتفاق إلى التطلعات الاقتصادية، رسمت شرم الشيخ صورة جديدة للعالم.. سلام تسانده التنمية، واستقرار يقوده العقل المصري.