أكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن استقالة تساحي هنجبي من رئاسة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وطلبه فتح تحقيق شامل في إخفاقات 7 أكتوبر، تمثل مؤشرًا واضحًا على تصدعات داخلية حقيقية في البنية السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وليست مجرد خطوة لإعادة ترتيب الأدوار كما تحاول الحكومة ترويجها.
وأوضح غباشي في مداخلة هاتفية ببرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن المشهد السياسي الإسرائيلي يعيش حالة ارتباك عميقة منذ بداية الحرب على غزة، مشيرًا إلى أن الخلافات بين أركان الحكومة باتت علنية، سواء بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، أو مع رئيس الأركان هرتسي هليفي، فضلًا عن الصدامات مع رئيس المحكمة العليا حول الصلاحيات الدستورية للحكومة والكنيست.
وأشار نائب رئيس المركز إلى أن تلك الصراعات تكشف أن الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية ليست حول الأهداف الاستراتيجية، بل حول أولويات التنفيذ، وكيفية الخروج من المأزق الميداني والسياسي الذي فرضته الحرب الفاشلة على غزة.
وتساءل غباشي: هل معارضة رئيس مجلس الأمن القومي المقال لاحتلال غزة وتأييده لاتفاق مرحلي مع حماس تعني بداية تحول في دوائر صنع القرار الإسرائيلي؟ مؤكدًا أن بعض النخب السياسية والعسكرية في إسرائيل باتت تدرك فشل الخيار العسكري في تحقيق أهدافه، وأن الاستمرار فيه لم يعد مجديًا سوى في زيادة الخسائر وتآكل صورة الجيش الإسرائيلي.
وأضاف أن تصريحات عدد من القيادات الإسرائيلية السابقة – مثل بيني جانتس ويائير لبيد ونفتالي بينيت – تكشف اعترافًا ضمنيًا بأن الحملة العسكرية لم تحقق سوى دمارٍ إنسانيٍ ومجازر بحق المدنيين، دون إنجازٍ سياسيٍ أو عسكريٍ يُذكر.
وشدد غباشي على أن التيار المتطرف ما زال هو المسيطر داخل الحكومة الإسرائيلية، ممثلًا في سموتريتش وبن جفير، وهو ما يُبقي على هيمنة التوجهات اليمينية المتشددة، رغم تزايد الضغوط الداخلية والدولية على نتنياهو.
وأشار إلى أن استمرار حكومة نتنياهو حتى الآن دليل على أن القوى اليمينية المتطرفة لا تزال تمسك بخيوط السلطة، رغم التآكل الكبير في ثقة الشارع الإسرائيلي بها.
وعن رأيه في مستقبل نتنياهو، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يزال يراهن على البقاء حتى انتخابات 2026، إلا أن تصاعد الغضب الشعبي والانتقادات داخل المؤسسة الأمنية قد يعجل برحيله أو يُضعف فرصه في الاستمرار.
وأكد غباشي أن موقف الولايات المتحدة يبقى العامل الحاسم في رسم مستقبل الحكومة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن "إسرائيل تظل دولة وظيفية في المشروع الأمريكي"، وأن تصريحات دونالد ترامب الأخيرة بشأن رغبته في "إطلاق سراح مروان البرغوثي ليحكم غزة" تكشف حجم التأثير الأمريكي المباشر في تحديد مسارات الصراع والسياسة داخل إسرائيل.
وأكد على أن الأزمة الراهنة داخل إسرائيل لم تعد أزمة عسكرية فقط، بل أزمة ثقة داخلية وهيكلية تهدد تماسك الحكومة ومستقبل نتنياهو السياسي، وأن القراءة المتأنية للمشهد توضح أن واشنطن هي اللاعب الرئيسي في تحديد من يحكم غزة ومن يبقى في تل أبيب.
إسرائيل دولة وظيفية
وأكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل العامل الحاسم والموجه الرئيسي للسياسات الإسرائيلية، سواء على مستوى القرارات العسكرية أو التوجهات السياسية في الداخل والخارج، مشيرًا إلى أن إسرائيل تُعد في الأساس "دولة وظيفية" تخدم الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأوضح غباشي في مداخلة هاتفية ببرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن واشنطن لا تكتفي بدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، بل تمتد هيمنتها إلى تحديد ملامح القيادة الإسرائيلية ذاتها، وتوجيه من يبقى في الحكم ومن يُستبعد، وفقًا لتوازنات المصالح الأمريكية في المنطقة.
وأضاف نائب رئيس المركز أن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، والتي تحدث فيها صراحة عن "رغبته في إطلاق سراح مروان البرغوثي لتولي حكم غزة"، تُعد دليلاً واضحًا على مدى تغلغل التأثير الأمريكي في رسم مستقبل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وتأكيدًا على أن واشنطن تتعامل مع إسرائيل كأداة لتحقيق سياساتها لا كشريك متكافئ.
وأشار غباشي إلى أن كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، سواء ديمقراطية أو جمهورية، تعاملت مع إسرائيل باعتبارها "حاملة الطائرات الأمريكية الدائمة" في المنطقة، حيث يتم توظيفها لتحقيق الردع الإقليمي، وضمان بقاء التوازنات بما يخدم المصالح الأمريكية أولًا وأخيرًا.
وشدد على أن الدور الأمريكي في إدارة الأزمات داخل إسرائيل بات أكثر وضوحًا بعد إخفاقات 7 أكتوبر، حيث تتدخل واشنطن بشكل مباشر في إعادة ترتيب البيت الداخلي الإسرائيلي، سواء من خلال الضغط على حكومة نتنياهو، أو عبر دعم شخصيات بديلة تضمن استمرار التنسيق الأمني والسياسي وفق الرؤية الأمريكية.
واختتم نائب رئيس المركز العربي للدراسات حديثه بالتأكيد على أن أي حديث عن استقلال القرار الإسرائيلي يبقى "وهمًا سياسيًا"، لأن واشنطن هي التي تضع الإطار العام، وتحدد السقف الذي تتحرك فيه جميع الحكومات الإسرائيلية، معتبرًا أن "من يتحدث في تل أبيب هو في الواقع يردد ما يُملى عليه من واشنطن".