قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قانون الضوضاء.. بين حماية النوم وإسكات الأذان في إسرائيل

قانون الضوضاء.. بين حماية النوم وإسكات الأذان في إسرائيل
قانون الضوضاء.. بين حماية النوم وإسكات الأذان في إسرائيل

في مشهد يعكس تعقيدات الصراع بين الهوية والدولة داخل إسرائيل، عاد الجدل حول ما يسمى «قانون الضوضاء» إلى الواجهة بقوة، بعد إعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بدء تنفيذ القانون الذي يمنح الشرطة صلاحيات واسعة للحد من استخدام مكبرات الصوت في المساجد. 

وبينما تقدّم الحكومة هذه الخطوة بوصفها «تنظيمًا للضوضاء وحماية لراحة السكان»، يرى الفلسطينيون والمؤسسات الحقوقية أنها محاولة منهجية لتقييد الشعائر الإسلامية واستهداف الرموز الدينية، في إطار سياسة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المجال العام بما يتوافق مع رؤى التيار اليميني المتطرف.

التقرير التالي يقدم قراءة شاملة لتاريخ القانون، جذوره السياسية، سياقات تطبيقه، والانعكاسات الميدانية المصاحبة له، مع رصد مواقف الأطراف المختلفة في واحدة من أكثر القضايا حساسية داخل إسرائيل.

محافظة القدس

إعلان بن غفير وتوترات الجنوب

أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن شرطة الاحتلال بدأت رسميًا تنفيذ «قانون الضوضاء»، مؤكدًا أن الخطوة تستهدف الحد من استخدام مكبرات الصوت في المساجد، خاصة خلال ساعات الليل. وجاء الإعلان في وقت كانت فيه الأجواء الأمنية متوترة، عقب ورود بلاغات عن إطلاق نار في منطقتين بالنقب.

زيارة عاجلة إلى الجنوب

فور تلقيه التقارير، توجه بن غفير إلى جنوب البلاد ليظهر في مقطع مصوّر التُقط مساء الأحد. 

وربط الوزير اليميني المتطرف بين حادث إطلاق النار في بلدة اللقية وبين احتجاجات السكان على مصادرة الشرطة لمكبرات الصوت التابعة للمساجد، معتبرًا أن «مجرمين بدأوا بإطلاق النار في الهواء ظنًا منهم أنهم سيردعونا بعد تطبيق القانون».

ويمثل هذا الخطاب جزءًا من استراتيجية بن غفير لربط أي تململ داخلي في المجتمع العربي بمظاهر «الفوضى»، بهدف تبرير سياسات أكثر تشددًا ضد الفلسطينيين في الداخل.

توسيع السياسات القمعية في المناطق البدوية

لم يتوقف خطاب بن غفير عند قضية الأذان؛ إذ استغل الفيديو لاستعراض ما وصفه بإنجازات وزارته في هدم أكثر من 5 آلاف منزل في المناطق البدوية خلال عام واحد، بزعم أنها «مبانٍ غير قانونية».

كما شدد على أن وزارته «لن تسمح بإقامة حفلات تُستخدم فيها أسلحة»، في إشارة إلى تشديد الإجراءات الأمنية ومنع إطلاق النار في الأعراس، وهي خطوات يروّج لها التيار المتطرف باعتبارها «فرضًا للنظام»، بينما يراها الفلسطينيون محاولة لإحكام السيطرة على التجمعات البدوية وتجريدها من أدوات التعبير الاجتماعي والثقافي.

البدايات في عام 2016

بدأت ملامح الأزمة الحالية قبل نحو تسع سنوات حين صادقت لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع «قانون المؤذن» الذي اقترحه النائب موتّي يوجيف من حزب «البيت اليهودي». 

وقدّم مؤيدو المشروع رواية مفادها أنه جاء استجابة لشكاوى من الضوضاء الصادرة عن الأذان الليلي، خصوصًا في ساعات الفجر.

إلا أن منظمات حقوقية ونشطاء فلسطينيين أكدوا حينها أن القانون يستهدف المساجد تحديدًا، ولا يُطبَّق بنفس الصرامة على مؤسسات دينية أخرى. ومع ذلك، واصلت الحكومة الدفع باتجاه إقرار التشريع، مع تعديلات جوهرية لاحقة.

مضمون القانون

تبلورت نسخة معدلة من القانون تنص على:

  • حظر استخدام مكبرات الصوت للأغراض الدينية بين 11 مساءً و7 صباحًا.
  • فرض غرامات تصل إلى 10 آلاف شيكل.
  • السماح للشرطة بمصادرة مكبرات الصوت في بعض الحالات.
  • إدراج هذه القيود ضمن تعديلات قانون «منع الأخطار»، مما يُضفي عليها طابعًا أمنيًا وليس تنظيميًا فقط.

ولم يكن خافيًا أن القانون صيغ لمنع أذان الفجر تحديدًا، رغم محاولات المُشرِّعين تقديمه كتشريع عام يشمل جميع دور العبادة.

جدل واسع وانتقادات حقوقية

فور الإعلان عن مشروع القانون، انطلقت موجة واسعة من الانتقادات داخل الخط الأخضر وخارجه. اعتبرت منظمات مثل «عدالة» أن القانون يحمل طابعًا عنصريًا يستهدف المسلمين، ويعد انتهاكًا لحرية العبادة. كما أشارت إلى وجود قوانين قائمة تُنظم الضوضاء دون الحاجة إلى تشريع موجَّه ضد المساجد.

معايير ضبابية

انتقدت المنظمات غياب تعريف واضح لـ«الضوضاء غير المعقولة»، مما يمنح الشرطة صلاحيات تقديرية واسعة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تطبيق تمييزي واعتباطي.

الخلافات داخل الائتلاف الحاكم

واجه التشريع اعتراضًا غير متوقع من الأحزاب اليهودية المتشددة، التي تخوفت من أن يشمل منع استخدام مكبرات الصوت صافرات بدء «الشبات» الذي يُعلن عن بداية يوم السبت اليهودي. وأدى ذلك إلى تعديل الصيغة ومنع الحظر الكامل.

ورغم ذلك، ظل القانون محل جدل سياسي مستمر، واتخذت الحكومات المتعاقبة إجراءات متباينة بين التشديد والتجميد.

تطبيقات على الأرض وتصعيد من بن غفير

في السنوات الأخيرة، ومع صعود اليمين المتطرف، شرعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تطبيق القانون بشكل غير رسمي، عبر:

  • فرض غرامات على مساجد في اللد وأم الفحم.
  • مصادرة مكبرات صوت بموجب أوامر مباشرة من بن غفير.
  • طلب وزيرة البيئة إيديت سيلمان استخدام كاميرات وأنظمة قياس ضوضاء لاستهداف المساجد التي تتجاوز «الحدود المسموح بها».

وتشير مؤسسات حقوقية إلى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق خطة سياسية أوسع تُستخدم فيها القوانين كأداة لـ«هندسة» المجال الديني والثقافي للمجتمع العربي.

اعتداءات ميدانية على المساجد وانعكاسات خطيرة

لم يتوقف التصعيد عند حدود القانون؛ إذ شهد الأسبوع الأخير حادثة خطيرة قرب مستوطنة سلفيت، حيث أقدم مستوطنون على إحراق مسجد الحاجة حميدة فجر الخميس. ووفق روايات محلية، سكب المستوطنون مواد مشتعلة على مدخل المسجد، قبل تمكن الأهالي من إنقاذ المبنى.

وذكرت صحيفة «معاريف» أن المستوطنين كتبوا شعارات عنصرية على الجدران، بينما أدانت وزارة الأوقاف الفلسطينية الحادثة واعتبرت أنها انعكاس مباشر لخطاب التحريض الرسمي ضد المقدسات الإسلامية.

تحذير من توسع الهجمات

أشارت الوزارة إلى أن الاعتداءات الأخيرة، من حرق وإغلاق ومنع أذان، تؤكد أن أماكن العبادة لم تعد محيّدة عن سياسات الاحتلال والمستوطنين، مطالبةً المنظمة الإسلامية للتعاون والدول العربية باتخاذ موقف واضح لوقف الانتهاكات.

تؤكد مجمل التطورات أن «قانون الضوضاء» يتجاوز كونه تشريعًا يتعلق بتنظيم استخدام مكبرات الصوت، ليصبح جزءًا من صراع سياسي وثقافي أوسع داخل إسرائيل. فبينما تروّج الحكومة له باعتباره خطوة لضمان الهدوء العام، يرى الفلسطينيون والمؤسسات الحقوقية أنه أحد أدوات تكريس الهيمنة على الفضاء الديني للمجتمع العربي، واستهداف رمز مركزي من رموز الهوية الإسلامية.

ومع تصاعد الاعتداءات الميدانية، يزداد الشعور بأن القانون ليس سوى حلقة في سلسلة متصاعدة من الإجراءات التي تهدد حرية العبادة، وتفتح الباب أمام فصول جديدة من التوتر بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية، في ظل غياب ردع دولي فعّال حتى الآن.