تشهد قناة السويس خلال الفترة الأخيرة حالة من الانتعاش اللافت، بعد مرحلة من التقلبات العالمية التي ألقت بظلالها على حركة التجارة الدولية.
فمنذ مطلع يوليو الماضي، بدأت مؤشرات الملاحة تكشف عن عودة الثقة تدريجيًا في الممر الملاحي الأهم في العالم، وهو ما يعكس قدرة القناة على تجاوز الأزمات واستعادة مكانتها الطبيعية كأحد الأعمدة الرئيسية للاقتصادين المصري والعالمي.
تعافٍ ملموس وانتعاش في الإيرادات
الأرقام الصادرة عن هيئة قناة السويس خلال الأشهر الماضية تحمل الكثير من الدلالات الإيجابية؛ إذ سجّل الممر عبور 5874 سفينة بحمولات تبلغ نحو 247.2 مليون طن، بينما وصلت الإيرادات إلى 1.97 مليار دولار، بزيادة واضحة عن العام الماضي. هذا النمو يؤكد أن حركة التجارة بدأت تتعافى من الاضطرابات التي تسببت فيها التوترات الإقليمية والمتغيرات الاقتصادية خلال الفترة السابقة.
رؤى مستقبلية وطموحات توسعية
الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، كشف عن توقعات متفائلة للسنوات القادمة، مشيرًا إلى أن الهيئة تعمل على رفع الإيرادات إلى 8 مليارات دولار في العام المالي 2025 – 2026، على أن تتجاوز 10 مليارات دولار بحلول 2027 – 2028. وأكد أن هذه الأهداف تعتمد على توسع كبير في الخدمات اللوجستية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للسفن، إلى جانب الدور المهم للقناة كمصدر رئيسي للعملة الصعبة في البلاد، حيث ضخت نحو 40 مليار دولار للاقتصاد المصري خلال الفترة من 2019 إلى 2024.
كما شدد ربيع على قدرة القناة على التعامل مع أصعب الظروف، بدءًا من جائحة كورونا، مرورًا بأزمة سفينة "إيفرجيفين"، وصولًا إلى التوترات في البحر الأحمر والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعكس مرونتها وقدرتها على الاستجابة السريعة للتحديات.
تطوير الخدمات البحرية وتعزيز الجاذبية العالمية
وفي إطار سعي القناة لتعزيز موقعها كمركز لوجستي عالمي، تعمل الهيئة على إضافة حزمة من الخدمات الداعمة للسفن مثل أعمال الصيانة والإصلاح وتبديل الأطقم البحرية وإزالة المخلفات البحرية ومكافحة التلوث. هذه الجهود تهدف إلى جعل القناة محطة متكاملة لا تقدم العبور فقط، بل توفر خدمات كاملة تلبي احتياجات السفن عملاً وتنظيمًا.
عودة تدريجية لخطوط الشحن العالمية
وفي تطور مهم يعكس عودة الثقة الدولية، أعلنت شركة "هاباج لويد" الألمانية ـ إحدى أكبر شركات الشحن العالمية ـ بدء إعادة أسطولها تدريجيًا إلى المرور عبر قناة السويس، بعد عام كامل من تحويل مساراته إلى طرق بديلة. وأوضح رئيس الشركة أن العودة ستتم على مراحل تمتد بين 60 و90 يومًا لضمان مرونة الحركة ومنع أي تكدسات.
وجاء هذا القرار بعد تراجع المخاطر في البحر الأحمر عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في أكتوبر الماضي، الأمر الذي دفع العديد من شركات الشحن إلى إعادة تقييم مساراتها واختيار القناة مرة أخرى باعتبارها الطريق الأكثر أمنًا وكفاءة.
تثبت قناة السويس اليوم أنها ليست مجرد ممر ملاحي، بل قصة نجاح متجددة رغم كل التحديات. فالأرقام القوية، وعودة الشركات العالمية، والتوسع في الخدمات اللوجستية، كلها تؤكد أن القناة ماضية بخطى ثابتة نحو مرحلة جديدة من النمو والاستقرار.