تشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى تحركات سياسية متسارعة تتعلق بملف الحرب في غزة، ترتبط بشكل مباشر بزيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل، وسط حديث متزايد عن انتخابات عامة مبكرة داخل إسرائيل، قد تعيد خلط أوراق المشهد السياسي خلال الأشهر المقبلة.
وبحسب هذه التقارير، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصلا إلى تفاهمات أولية حول جدول زمني لخطوات سياسية وأمنية في قطاع غزة، من المقرر تنفيذها قبل زيارة ترامب المرتقبة في مايو المقبل، تمهيدًا لتبكير موعد الانتخابات العامة إلى يونيو بدلًا من موعدها الأصلي في أكتوبر 2026.
تسريبات وجدول زمني
ووفقًا لتسريبات نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن ترامب يعتزم الإعلان في 15 يناير المقبل عن تفاصيل المرحلة التالية من خطته لإنهاء الحرب على قطاع غزة، في خطوة توصف بأنها مفصلية في مسار الصراع، وتحمل أبعادًا سياسية داخلية في إسرائيل.
وتشير التفاهمات المبدئية إلى أن عملية إعادة الإعمار ستبدأ في المناطق الخاضعة حاليًا لسيطرة الجيش الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة، بالتوازي مع مسار نزع سلاح حركة حماس، والذي يُتوقع أن يستغرق نحو شهرين وفق التصورات الأمريكية والإسرائيلية.
معبر رفح وزيارة ترامب
وتتضمن الخطوات المطروحة إعادة فتح معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر في الاتجاهين، وهو مطلب أمريكي متكرر، ترى فيه واشنطن مؤشرًا عمليًا على التقدم في التهدئة وتهيئة الأوضاع الإنسانية داخل القطاع.
وتسبق هذه الإجراءات زيارة ترامب المرتقبة إلى إسرائيل في مايو المقبل، حيث من المقرر أن يتسلم "جائزة إسرائيل للسلام" بالتزامن مع الاحتفالات بذكرى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وهي زيارة تُقرأ سياسيًا باعتبارها دعمًا مباشرًا لنتنياهو في مرحلة حساسة.
المرحلة الثانية من الخطة
بعد أن أبدى نتنياهو في وقت سابق تحفظًا على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن الجانبين توصلا خلال اجتماع عقد يوم الإثنين إلى اتفاق على بدء هذه المرحلة، بما يشمل خطوات ميدانية جديدة في غزة.
وأوضحت القناة أن أحد تداعيات هذا القرار يتمثل في بدء إعادة الإعمار في مناطق من رفح قبل الانتهاء الكامل من نزع سلاح حماس، وتحديدًا في المناطق الواقعة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، في ظل ضغوط أمريكية واضحة لفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين.
غموض نزع السلاح
ورغم الحديث عن تفاهمات، أشارت القناة 12 إلى أنه لا توجد حتى الآن اتفاقات واضحة بشأن المدة الزمنية الدقيقة أو الآلية التفصيلية لنزع سلاح حماس، في ظل غياب تصور متكامل حول شكل القوة الدولية أو هوية حكومة التكنوقراط التي قد تدير القطاع لاحقًا.
ونقلت القناة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الطرفين يفضلان في هذه المرحلة عدم إبراز نقاط الخلاف، خاصة مع غياب صورة واضحة للمستقبل السياسي والأمني لغزة، ما يدفع نحو تفاهمات "هادئة" دون إعلان رسمي.
الانتخابات المبكرة وحسابات الداخل
وربطت القناة الإسرائيلية بين هذه التفاهمات وزيارة ترامب المرتقبة، معتبرة أن توقيتها ليس مصادفة، بل يأتي ضمن حسابات نتنياهو الانتخابية، حيث تشير التقديرات إلى اتخاذ قرار فعلي بتقديم موعد الانتخابات إلى يونيو 2026.
وأضافت القناة أن زيارة ترامب في مايو ستشكل عنصرًا محوريًا في حملة نتنياهو الانتخابية، بما تحمله من رمزية سياسية ودعم أمريكي مباشر، في وقت يواجه فيه رئيس الحكومة ضغوطًا داخلية متزايدة.
ملف الرهائن وخلاف صامت
وفي سياق متصل، كشفت القناة 12 أن ترامب لم يبدِ استعدادًا لقبول شرط ربط الانتقال إلى المرحلة الثانية بعودة جثمان الرهينة الإسرائيلي ران غويلي، وهو ما شكّل نقطة تباين هادئة بين الطرفين.
ونقلت عن مسؤول إسرائيلي قوله إن ترامب وعد عائلة غويلي بإعادة ابنهم، لكنه لم يقدم تعهدات لا يمكن تنفيذها، في إشارة ضمنية إلى اختلاف أسلوبه عن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
رفح ونموذج الإعمار
وأشار مسؤول إسرائيلي إلى وجود تفاهمات غير معلنة تقضي بالتقدم في المناطق التي طهّرها الجيش الإسرائيلي داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" في قطاع غزة، وبدء الإعمار هناك وفق النموذج الأمريكي، خاصة في المربع المحدد بمدينة رفح.
ويُنظر إلى هذا النموذج باعتباره اختبارًا عمليًا لخطة إنهاء الحرب، وربط المسار الأمني بالمسار الاقتصادي والإنساني، في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض.
سلاح حماس.. تقديرات متباينة
على خلاف القناة 12، ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن إسرائيل والولايات المتحدة اتفقتا على منح حماس مهلة شهرين لنزع سلاحها بالكامل، وذلك خلال اجتماع عقد بين نتنياهو وترامب في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا.
وأضافت الصحيفة أن فرقًا مشتركة ستضع معايير واضحة لتعريف ما يُعد تفكيكًا فعليًا لقدرات حماس، وسط مخاوف إسرائيلية من احتفاظ الحركة بجزء كبير من ترسانتها، وهو سيناريو قالت الصحيفة إنه غير مقبول.
الأنفاق والسيناريو المفتوح
وبحسب "إسرائيل اليوم"، فإن نزع السلاح يشمل تدمير شبكة الأنفاق في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه في حال فشل حماس في الالتزام بالتجريد الكامل من السلاح، ستعود الكرة إلى إسرائيل والجيش الإسرائيلي لاتخاذ القرار المناسب.
من جهتها، نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن نتنياهو قوله لترامب إن حماس لا تزال تمتلك نحو 60 ألف بندقية كلاشينكوف داخل غزة، مؤكدًا أن جمع هذا السلاح شرط أساسي للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة.
ومن جانبه، قال الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن ما يجري في قطاع غزة يستهدف بشكل ممنهج خلق "بيئة طاردة" للسكان، عبر التدمير الواسع للبنية التحتية ومقومات الحياة الأساسية، من صحة وتعليم وخدمات، وهو ما يدفع المواطنين للتفكير في المغادرة بحثًا عن الأمان، لولا تمسّك كثيرين بأرضهم بدافع وطني قوي.
وأشار الرقب إلى أن هذا التمسك لا يمثل بالضرورة حالة عامة لدى جميع الفلسطينيين، في ظل غياب إحصاءات دقيقة حول قدرة السكان على تحمّل الواقع القاسي، مؤكدًا أن غزة تحولت إلى "بيت طارد" نتيجة سياسات إسرائيلية مدعومة أمريكيًا، ومعتبرًا أن ما يحدث هو مؤامرة مشتركة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه والسيطرة عليه.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية، بالتنسيق مع إسرائيل، تسعى لفرض سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على غزة من خلال ربط الإعمار بمناطق خاضعة للاحتلال أو بقوة دولية، ما يمهد لاحقًا لتهجير السكان بذريعة استمرار السلاح، محذرًا من أن تصريحات دونالد ترامب، بما فيها الدعوة لفتح معبر رفح في الاتجاهين، تحمل بعدًا غير إنساني يهدف عمليًا إلى تسهيل خروج السكان أكثر من ضمان عودتهم، في ظل منح واشنطن إسرائيل ضوءًا أخضر أمنيًا دون التزام سياسي واضح.