الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نساء وأنبياء "2"..امرأة فرعون: سيدة مصر الأولى!


الملكة أو امرأة فرعون لم يذكر القرآن الكريم اسمها باعتبار أن العبرة في القصة وليست في الأسماء، وحسب الروايات التاريخية إسمها "إست نفرت"، وفي التفاسير إسمها "آسية بنت مزاحم" زوجة فرعون مصر الذي طغى وادعى الألوهية في زمن النبي موسى عليه السلام.
وقد جاء ذكرها في القرآن مرتين، الأولى عند تبنيها للطفل موسى، والثانية باعتبارها مثالاً في مواقفها ليتعلم منها المؤمنون من الرجال والنساء.
تبدأ قصة النبي موسى عليه السلام وهو طفل حين أوحى تعالى إلى أمه حتى تنقذ حياته من الموت ذبحاً على يد جنود فرعون: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص7 ، وفي القرآن الكريم تبدو كلمتي الأم والوالدة بنفس المعنى، مع أن الإنسان يمكن أن يكون له أكثر من أم، أم والدة وأخرى أم مربية، وقد تجتمعان في امرأة واحدة، ولأنه من الفطرة عدم الزواج بالوالدة فقد جاء تحريم الزواج خاص بالأم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ..) واعتبار المرضعة أماً مع أنها ليست والدة ووضعها مع محارم الزواج: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ..) النساء23 ، وكذلك زوجات النبي: (..وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ..) الأحزاب 6، فزوجاته عليه الصلاة والسلام باعتبارهن أمهات المؤمنين فقد دخلن ضمن محارم الزواج: (..وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا..) الأحزاب 53.
فمن الناحية المادية لا بد للمولود من والدة، ومن ناحية التربية والرعاية لا بد له من أم، فأم موسى كانت والدة بالولادة، وأماً بالرضاعة والرعاية، وكذلك امرأة فرعون كانت له أماً بالتربية.
حمل النيل الصندوق الموجود به موسى إلى قصر فرعون، ويصل الطفل إلى زوجة فرعون والتي جاء في الروايات التاريخية أنها لم يكن لديها أولاد: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) القصص9 .
وكلمة قرة جاءت في القرآن ثلاث مرات، مرتين بالتاء المقفولة تعبيراً عن راحة موعودة لم تتحقق بعد: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ..) السجدة 17، (..هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ..) الفرقان 74، ومرة واحدة بالتاء المفتوحة تعبيراً عن راحة تحققت: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ..) فامرأة فرعون وجدت طفل ليس له أهل مما يجعلها تتبناه ويتحقق لها ما تريد.
وعندما دعا النبي موسى عليه السلام إلى توحيد الله تعالى آمنت به الملكة سيدة مصر الأولى وصدقته: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم 11، فقد أكدت في دعائها على طلبها القرب من رحمة الله وذلك بتقديمها لكلمة (عِنْدَكَ) على عبارة (بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) والتي حددت مكان القرب من الله.
كما وصف تعالى الملكة بامرأة فرعون، وكلمة المرأة جاءت من الأصل "مَرَأَ"، وهى من المروءة بمعنى أن يكون فعل الإنسان من نفسه ولا يريد من وراءه جزاء ولا شكر، ويتم ذكر المرأة في القرآن في الأمور التي فعلتها من نفسها مستقلة عن زوجها أو عن أبيها: (..وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ..) القصص 23.
لقد جعل تعالى امرأة فرعون وهى أنثى مثلاً للمؤمنين من الرجال والنساء، فهى توضح مدى مسؤلية الإنسان عن إيمانه الشخصي وبصرف النظر عن كفر وضلال من حوله من أقرب الناس إليه، وعن النبي عليه الصلاة والسلام: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران".