قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لن أعتزل !!


أعتزل الكتابة قليلاً، شعور سعيد وأنا أقاوم القدر، شعور بامتلاك الحياة وكل الخيارات، وقد اخترت الأسابيع الماضية أن أعيش أياماً عبثية.
أشكر كل رسالة سألت عن غيابى المتكرر وتذمرت من التزامى المتقطع، لكنى كنت سعيدة.. لا شىء يدفعك للكتابة سوى القدر، مستحيل أن تكون الكتابة فعلا طوعياً أو اختيارياً إلا إن كان من يصب الحبر فرحاً بتزيين جدران بيته ببراويز تحيط بصفحات جرائد كتب عليها اسمه الذى يملأ به الأعمدة اليومية والأسبوعية ومعظم المكتبات. لم يختر الكتابة، اختار أن ينظر لاسمه كل مرة كأنها المرة الأولى، مثلما حدث حين قرأت اسمى بجوار أول مقال نشرته بحياتى، وكنت صغيرة. قفزت بأنحاء المنزل ليرى الجميع المعلقة التى صففتها.. لكنى شيئاً فشيئاً اكتشفت اللعنة الخفية، وأن الأمر ليس أكثر من موت على الصفحات، وأن فعل الكتابة فعل عاجز.. فعل تعذيبى.
مجريات اللعنة تدفعك لتذكر كل تفاصيل الحياة بشرورها وبؤسها. الكتابة عدوة النسيان.. وأنا أريد أن أنسى، لذلك أختار أن أعتزل قليلاً أحياناً.
كما قلت، فالقدر يختار من يقرر لهم أن يكتبوا، دون أى دور لهم بهذا الخيار. ودون أن يتمكنوا إزاء هذا الاستلاب سوى من إعلان التمرد أحياناً والامتناع عن العطاء وتجربة لذة (التطنيش) مثلما كنت أسرح وألهو الأيام الماضية.
ينظر القدر للمتمردين، يطيل النظر، يمهلهم الوقت، يتغاضى عن تناسيهم مواعيد النشر، لكنه لا يفارقهم خصوصاً أثناء نومهم ساعات من الليل.
ساعات موحشة، يلازمهم حتى يوقظهم بكوابيس الليل، لأستيقظ معظم الليل، هكذا تؤرقك الكتابة وتلاحقك أينما حاولت الهرب، تتمدد على الأريكة، على السرير، تتمادى فى الهرب فتتخذ من عشب الحديقة مأوى.. لن تنجو، لن تنسى ولو ساعة واحدة. ككل مرة، أعبث لأسابيع ثم أستسلم، ومَنْ أنا لأقرر؟
القدر وحده يخطط الحياة، وهو الذى قرر لى أن أستيقظ باكرة هذا الصباح لأكتب، فهمت أنى سئمت تلك السعادة المؤقتة.. لم تكن سعادة بالمعنى الذى تعرفونه، كان تحايلاً على معانيها، وتصور الشرور خيراً، وتصور القبيح حسناً والتعاسة فرحاً.
ألم يكن جميلاً أن أرى الأشياء جميلة؟
أليس ملائكياً أن نعتقد أن الخير والجمال هما العنصران الوحيدان الموجودان، وأن قدرتنا على رؤية القبح والشر قد نفدت؟
كيف سيصبح الكون حينها؟ وكم سيبدو جميلاً، أو قد يبدو غير معقول، إذ ستنتفى عندها كل الأقدار، ومن يهمه؟ برأيى سيبدو الكون جميلاً.
لكن الكوابيس لا تعرف معاكسة الكون، الكوابيس تذكرك بالقبح والشر وبنسج الوهم الذى تصنعه.
استيقظت هذا الصباح لأستسلم له من جديد، طريقتى للتصالح معه ليتوقف عن إرسال العذابات الليلية، ويتركنى أنام كالبقية.. البقية غير الملعونة.
أعترف بأنى أمارس الآن سعادتى الأبدية، ليست سعادة بمقاييسى الشخصية لكنها تشعرنى بالاطمئنان، ربما لتمكنى من سماع صوت الحروف، ربما لتفريغ ما بداخلى على الصفحات ليتلقاها غيرى، ليتعس بها أى مخلوق. الأنانية جانب من الكتابة، ومقابلها تكون القراءة موجعة، لكنه ذنب من يقرأ لا من يكتب. لا تنتقدوا أفكارى أو تخرجوها من الملل، لم أتدخل حتى بخيار نشرها، كان حكم القدر، وأنتم اخترتم أن تقرأوا.
الكتابة مسؤولية وحمل ثقيل، ليست شيئاً ممتعاً على الدوام، أن تخرج الأفكار من رأسك وتطرحها للعلن مخاطرة قصوى. فكلمة ترفعك للسماء وكلمة تسقطك لنواة الأرض، لكنك لا تأبه، مطلوب منك ألا تتأثر بأى مديح أو نقد أو لعنات. تقرر ما قرره القدر، تكتب دون نفاق أو مجاملة، تعبر عن رأيك بصراحة، وتنظر بغبطة لأولئك الماجنين والماجنات السعداء بأسمائهم الرخيصة ترافق مقالات ليس بكلماتها إلا قبح ونفاق للشعب ولساسة الشعب طمعاً فى إحدى الجوائز العربية الكثيرة، لكن الكتابة ليست تقيؤاً، بل إحساس يرتقى بذاتى قبل أن يرتقى بأحاسيس الناس.
لم أحلم بأن أقرأ اسمى كل يوم، ولم أتمن أن يُطرح فى زاوية من الزوايا الإنترنتية الرخيصة، أو أن يتداوله أفراد مجلس لا يروقنى أصحابه، لكن قضايا الناس والمحيط توقظنى، أستيقظ لأكتب وأحاول تشخيص الألم الذى يرافق الكتابة، أهو ألم ممتع أم ألم مؤلم؟ لست أدرى.
أحاول تحديد إن كنت فعلاً سعيدة بانقطاعى المؤقت أم كنت أتخيل سعادة مؤقتة أخرى ضمن حياتى المؤقتة؟
المهم، أقول لمن كرهونى، لمن أحبونى، ولمن هم بين المنزلتين: لن أعتزل.

نقلا عن "المصري اليوم"