لسنا دعاة حروب ولا صراعات، ولكن إذا فُرض علينا القتال فنحن أهله، هذه الكلمات التي تعبر عن عقيدة الجيش المصري الراسخة، اليوم الرئيس عبدالفتاح السيسي جسدها في حديثه داخل الأكاديمية الحربية، في لحظة فارقة تذكر المصريين أن القيادة ترى بعين الحكمة لا العاطفة، وتزن الأمور بميزان الوطن والملايين الذين ينتظرون قراراتها.
الرئيس لم يتحدث فقط عن رفض الانجرار وراء الصراعات، بل أكد أن مصر لن تدخل حربًا إلا إذا فُرضت عليها، فالحروب ليست مغامرة سياسية ولا انتصارًا كلاميًا على المنصات، بل هي قرار بحجم أمة كاملة، في زمن تتلاطم فيه الأمواج الإقليمية والدولية، قد تبدو هذه السياسة أشبه بـ"سلاح الصمت الحكيم" الصمت الذي لا يعني الضعف، بل يعكس قوة قادرة على الردع وقت الحاجة.
وبينما تتحدث القوى الكبرى عن أزمات المساعدات والمعابر، جاء موقف الرئيس ليضع النقاط على الحروف: مصر لن تفرط في حياة أبنائها، ولن تدخل مواجهة غير محسوبة، لكنها في المقابل لم تتوقف يومًا عن مد يد العون، فالملايين من أطنان الغذاء والدواء التي عبرت بوابات سيناء إلى غزة شاهدة على أن القاهرة تُمارس دورها الأخلاقي والإنساني جنبًا إلى جنب مع حسابات الأمن القومي.
منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة، كانت مصر أول من فتح معبر رفح أمام الجرحى، وأول من دعا إلى وقف إطلاق النار، وأول من تحرك في مجلس الأمن مطالبة بوقف نزيف الدم.. كما أعادت القاهرة التأكيد على موقفها الثابت: الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، ورفض التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، لم تكن هذه مجرد مواقف دبلوماسية، بل امتداد لتاريخ طويل من دفاع مصر عن القضية باعتبارها قضية العرب المركزية.
ما قاله الرئيس بالأمس، يعبر باختصار عن عقيدة وسياسة الدولة المصرية وقواتها المسلحها، هي رسالة مفادها: لسنا دعاة حرب لكننا لا نخشى الحرب إن فُرضت، ولن نغامر بالشعب لكننا لن نتخلى عن أشقائنا، فإن مصر تتحلى بصوت العقل حين يعلو ضجيج البنادق.
وهنا تكمن "حكمة الرئيس السيسي" أن تعرف متى تستخدم سلاح القوة، ومتى تجعل من الصمت وضبط النفس موقفًا أقوى من أي طلقة، وفي الوقت ذاته: لن تجرأ قوة على وجه الأرض المساس بمصالحها وسيادتها وأمنها القومي وحياة وأرواح الشعب المصري.