قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

الرقاصة

0|أحمد صلاح

تلك المهنة المستهجنة علنا والجميع يمارسونها سرا، "الرقص"، فجميعنا يرقص دون أن يدري، وليس هذا موضوعنا الآن ففلسفة الرقص ليست فقط في ـ هز الوسط والتعري ـ
ولكن تمتد وتتسع حتى تصل لهزهزة الفكر والتخلي عن المبادئ، فالجميع ـ أحيانا ـ يتعري حتى من القطعتين وأحيانا من ورقة التوت.
والراقصة ـ كما في معاجم اللغة ـ في الغالب هي نتاج لتحول اجتماعي يفرز هؤلاء فمن اشتراكية لرأس مالية، تكون هزة المجتمع التي تنتج طبقة مقهورة تستغل سلعتها للبيع، ومن فشل ثورة وتغير قيم يتم إفراز هذه الفئة لتكون نتاج معبرا عن حالة الاهتزاز الفكري والثقافي والقيمي في مجتمع يتخبط، مترددا في نزع أو الإبقاء على ما تبقى من بقية ورقة توت.
والراقصة تفرض رأيها "الرقص مالي" على الجميع بدءا من إصدار الحكومات لأوراق مالية من فئات كبيرة، نظرا لأن القطعة العلوية التي تتلقى فيها "النقوط" تكون ضيقة إلى حد كبير حتى تبرز اكتناز النهدين، فتصبح البنوك المركزية مضطرة إلى إصدار فئات المائة الصغيرة الحجم والمئتين ليسهل نفح الراقصة مبلغا كبيرا، مثلما أصدرنا الجنيه في حجم الدولار الأمريكي لأن كل الأوراق في يد أمريكا فكانت الرقصة على أنغام كامب ديفيد مبهرة.
والراقصة لا تنفصل عن التاريخ فهي جزء منه، فمثلما تقول الروايات أن حريق القاهرة في 24 يناير 1952 بدء في أول الأمر بسبب مشاجرة بين أشخاص وفتوات للراقصة بديعة مصابني انتهت بأن استغل الملك فاروق هذه المشاجرة في حرق القاهرة، وانتهاء بادعاء إحداهن بعلاقتها السرية بالخلايا الفدائية والشيوعية، وأنها كانت تأوي الكثير من رجال المقاومة والفدائيين في بيتها الآمن بعيدا عن أعين رجال القلم السياسي، وحتى رواية الراقصة حكمت فهمتي وعلاقتها بالرئيس السادات.
الراقصة تنتج وتفرز ويشع نورها في حالات التخبط وليس أدل مثال علي ذلك بعد قيام ثورة يناير، وما أفرز من قنوات رقص مثل التت ودلع ونغم وغيرها وفشلت الحكومات في ايقاف هذه القنوات، بل اصبحت راقصات الدرجة العشرين نجمات سينما، وزادت مبيعات بدلات الرقص، وكذلك الحلل السوداء لرجال أعمال وغير أعمال اغتنوا من فترة الثورة، ورقص الجميع ـ للأسف ـ على جسد ثورة مسروقة، كان ظاهرها الثورة على الفساد وباطنها التآمر على الوطن، فكان العري في كل القنوات.
رقصة النحلة هي الرقصة التي أخذها عنا الغرب وأسماها "الاستربتيز"، ففي رقصة النحلة كانت الجارية تقف امام سيدها بكامل ملابسها وتتخيل أن نحلة دخلت في تلك الملابس وتبدأ على الأنغام في خلع ملابسها قطعة قطعة، واستورد منا الغرب تلك الرقصة وعلوم بن النفيس والجبرتي وبن الهيثم وبن رشد، وطورها لنا وتقدم على حسابنا، ثم اعادها لنا في صورة تكنولوجيا مقابل البترول، وسرا أهدانا بكل ود أفلاما إباحية للعري حتي نظل فقط مستهلكين لأدوية الفحولة والسلع الاستهلاكية وأفلام الأكشن والرعب وبرامج المسابقات وتليفزيون الواقع.
علاقة الراقصة بالسياسي أفردها أديبنا الكبير إحسان عبد القدوس في روايته الشهيرة الراقصة والسياسي، وفيها يدرك البطل أنه ليس الوحيد الذي كان على علاقة براقصة، وأن الراقصة كانت تعرف الكثير من الساسة، وحتما تعرف الكثير بل الكثير جدا من الأسرار، بل ويلمح أنها قد تكون ـ أي الراقصة ـ مصدرا في صنع القرار، لذلك أنصح المؤرخين وباحثي التاريخ بالتعرف على الراقصات ـ العجائز منهم ـ فانهن مخازن أسرار لا يستهان بها، ولا ننسى حكاية الراقصة الشهيرة مع رجل الأعمال الشهير، مما يحيلنا الي علاقة الراقصات برأس المال مرة أخرى.
الراقصة يا سادة هي أكثر الفئات الاجتماعية احتراما، فهي لا تتبرأ من عريها وخطيئتها، بل تقول للجميع أنا راقصة، ترتدي ـ اذا صح التعبير ـ بدلة الرقص وتقف أمام الجميع بدون خجل تقدم سلعتها دون مواربة، لتتقاضي أجرها ببساطة من قدم خدمة، الخطورة في هؤلاء الذين يرقصون ببدلات كاملة وربطات عنق ويجلسون في مكاتب فخمة ويقنعون الجميع أنهم أشرف الناس وأكثرهم وطنية وتدينا وأخلاقا، وفي النهاية لا نسمع سوى ...