قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أحمد عاطف آدم يكتب: العدو الشرس والصديق الحميم

أحمد عاطف آدم
أحمد عاطف آدم

​فصل الشتاء حلبة المصارعة المفضلة التي ينتظرها ألد عدوين لبعضهما البعض: أحدهما صديق حميم لجسم الإنسان، والآخر من أشرِّ وأفتك الخصوم إذا تمكَّن وسيطر. أما الصديق فهو جهاز المناعة، والعدو فهي الفيروسات التنفسية التي تنشط بشدة في الفصل القارس. هذا الصراع الأزلي، الذي يستمر حتى قيام الساعة، له أدواته التي أبدع الله في فرضها وجعل الإنسان طرفًا فاعلًا يلعب دورًا فارقًا فيها، إما لصالحه أو ضده.

​يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة السجدة، بسم الله الرحمن الرحيم: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" صدق الله العظيم. والآية الكريمة تنقسم في تفسيرها إلى جزأين: الأول هو "الَّذِي أَحْسَنَ"، أي أتقن وأبدع صنعه، وصبغه بصبغة الكمال الإلهي. والجزء الثاني من الآية هو "كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ"، ويعبر عن الإعجاز في الشمول والتفرد لخالق الكون، بما فيه من أصغر الذرات إلى أضخم المجرات، ومن الكائنات الحية إلى الأنظمة الجامدة... إلخ. وفي سياق هذا الإعجاز، فإن الله المبدع العظيم جعل للفيروسات – وهي من أدق مخلوقاته – استراتيجية تمويهية للخداع تكمن في شفرتها الجينية، كما منح لجهاز المناعة البشري المعقد في تركيبه، سر فك شفرة بعض تلك الفيروسات الفتاكة، عبر آلية الإعدام والتذكر التي يقوم عليها المصل (اللقاح). وهو إما فيروس مُضعف، أو جزء من الفيروس (مثل البروتين الشوكي) أو حتى مقتول، أي حكم الله عليه بالإعدام ثم سلَّمه لجهاز المناعة بعلم نافع، ليتعرف عليه ويحتفظ بنسخة منه في ذاكرته، حتى وإن عاد للهجوم من هم على شاكلته من الفيروسات ويحملون بصمته، يتم القضاء عليهم في هدوء بلا أي إزعاج أو ضرر يُذكر.
​ومما لا شك فيه أن تلك الملحمة الإعجازية من الإحسان الإلهي المُلهم لجهاز مناعتنا، تُلقي على عاتقنا مسؤولية الحفاظ على استدامة القدرة القتالية لهذا الجهاز العجيب المدجج بذاكرة فتاكة ضد الفيروسات، لكنه يحتاج إلى طعام صحي يعمل كعتاد بيولوجي مُدعِّم له. ففي خضم معركتنا الشتوية مع الأمراض، يصبح غذاؤنا هو خط الدفاع الأول، خاصةً وأن نقص بعض العناصر الغذائية الأساسية كالزنك وفيتامينات (D) و (C) يقلل من كفاءة الخلايا المناعية، ويوجه ضربة قاضية للاستجابة الدفاعية لأجسامنا.

​فبينما يُعد الزنك، المتوفر بكثرة في اللحوم الحمراء والبقوليات، عنصرًا محوريًا لنمو وتطور الخلايا التائية وإنتاج الأجسام المضادة، يُعتبر فيتامين د (D) منظِّمًا مناعيًا حيويًا يساعد الخلايا البيضاء على إنتاج مركبات مضادة للميكروبات، تقتل مسببات الأمراض مباشرة، وهو موجود بشكل أساسي في الأسماك الدهنية كالسلمون والتونة، بالإضافة إلى الأغذية المدعمة مثل الحليب وحبوب الإفطار وصفار البيض. أما فيتامين ج (C) فهو مضاد أكسدة قوي يحمي الخلايا المناعية من التلف التأكسدي، ويدعم وظيفة الخلايا البلعمية في القضاء على العدوى، وتجده حاضرًا في الحمضيات مثل البرتقال، ومتركزًا بكثرة في الفلفل الأحمر الحلو والفراولة والبروكلي.

​في الختام عزيزي القارئ، يجب أن نثمن قيمة هذه الفلسفة الإلهية العميقة والعبقرية التي حصرها الله في "محنة" الفيروسات و"منحة" جهاز المناعة، تجسيدًا لقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} صدق الله العظيم. لذا تبقى معركتنا الشتوية مع الفيروسات امتحاناً إلهياً يُظهر إحسان الخالق في تركيب أجهزتنا الدفاعية. كذلك فإن جهاز مناعتنا، المُزوَّد بسر الإعدام والتذكر، ينتظر عتاده البيولوجي منا؛ فبينما ندعمه بالغذاء الصحي السليم، علينا أن ندرك أننا نملك أيضاً القدرة على تدميره بأيدينا. إن الضغوط النفسية المُزمنة، والحرمان من النوم العميق، وسموم التدخين، كلها تصيب هذا الجندي المُنقذ في مقتل. فلنحسن استثمار إحسان الله إلينا عبر حماية أجهزتنا، لنسهم بذلك الوعي في الانتصار على أعتى خصومنا، ونكون الطرف الفاعل الحقيقي في المعادلة التي أبدعها الله لنا.