الإسلام على الطريقة البحيري
كثيرون لا يفهمون أن الأزهر هو جامعة تنظر لدين الإسلام على أسس علمية لا
مذهبية ولا تسعى إلا لأن تكون محققة للعلوم الدينية ومصلحة لها، وبالرغم من وجود
ملاحظات على أداء الأزهر، إلا أن المشكلة من البداية لم تكن عند الأزهر الذى يعتبر
نفسه مؤسسة للتدارس والبحث في كافة المذاهب، ومن هنا نشأ الخلاف أساساً واستفحل
ولم ينته حتى الآن.
نتفق معاً على أن شروح ونصوص وتفاسير الأئمة الأربعة هي عمل من إنتاج البشر يحتاج إلى المراجعة فيما يتعلق
بالآراء الفقهية وتفسيرات الأحاديث، وأن هذا لا يعنى مطلقاً أن السنة النبوية غير
صحيحة ولا يعنى أيضاً أن هؤلاء الأئمة
مغرضون، وإنما بشكل علمى ومن وجهة نظر الأزهر، هو أن التفسيرات والأحاديث لها
أسانيد وتتعدد الآراء بشأنها، وترى أيضاً أن اختلاف العلماء رحمة، لأن هذا
الاختلاف يتيح للمؤمن أن يختار من بين الأحكام والشروح ما يناسب الواقعة التي يريد
فيها حكماً دينياً.
وكذلك فإن من تطلق على نفسها تيارات سلفية، أرادت أن تقصر حياتها وفهمها
على رأى واحد من الفقة ومذهب واحد في التفسيرات واتهمت كل ما دونها على أنه خاطئ
أو متساهل، وأرادت تعميم هذا الرأي على جموع المسلمين، وهنا أيضاً دخل الأزهر في
مواجهة فكرية مع هذه التيارات وكان مدافعاً عن الإسلام الوسطى، وليس صحيحاً أن الأزهر تهاون في مواجهة
السلفيين أو جماعة الإخوان، وقد كانت المواجهة بين الأزهر والجماعة وشيوخ التيارات
المتطرفة على أشدها في وقت حكم الإخوان،
فقد وقف الأزهر ضد التكفير في الوقت الذى كان يحرم فيه شيوخ هذه التيارات معايدة
المسيحيين في أعيادهم على أساس تكفيرهم.
المضحك الآن أن المنتمين للجماعة وآرائها السياسية يحاولون الترويج لفكرة أن
الأزهر تخلى عن دوره ... لمجرد الإثبات كذباً أن الجماعة هى من كانت تدافع عن الإسلام،
وأن الأزهر وشيوخه قد تقاعسوا عن الرد على إسلام بحيرى، ويبدو واضحاً أن إسلام بحيرى لا يدرك أن أسلوبه المتشدد والهجومي يخدم بشكل أو بآخر أهداف المتشددين
انفسهم، ولا تنسوا أن الأزهر نفسه كان يهاجم من هذه التيارات وكانت تُدبر له
المكائد السياسية في الخفاء.
إسلام بحيرى يشبه إلى حد كبير السياسيين والباحثين الأيديلوجيين المتشددين
ويشبه أيضاً المغالين من السلفيين، فالرجل حاصل على الماجستير فى الدراسات الإسلامية من جامعة ويلز
البريطانية وكانت بعنوان " طرائق التعامل مع التراث" ... الواقع أن إسلام بحيرى درس فقط مناهج نقدية
ومعارضة للسنة والتراث ... ولم يدرس السنة أو آراء المشايخ والعلماء وطرق التصنيف المتبعه
علمياً، ولهذا لم يكن زاده الفكرى على أساس نقض موضوعي لما جاء في كتب فقه السنة،
ولذا فهو لا يختلف عن من قرأ كتب تنقد الولايات المتحدة الأمريكية كدولة وكنظام
سياسيى ثم انطلق فى نقد كل ما هو ليبرالى
وهو لم يقرأ في الليبرالية سطراً واحداً وكذلك
من قرأ نقداً للاتحاد السوفيتى فأخذ في نقد الشيوعية إلى آخر مدى أو من قرأ كتب السلفية فقط وانطلق لنقد أى شيء تجديدي
أو فيه إعمال رأى.
مشكلة إسلام البحيرى أنه ليس إلا ناقداً وليس باحثاً بالمعنى المحايد ... هو قرأ من كتب ناقده وارتكز فى حديثه على النقد
... وانتهى الى ضرورة نسف كل التراث لمجرد أن لديه مجموعة من الانتقادات على التراث
أو آراء بعض الفقهاء، والواقع أنه مجمل نقده لم يخرج عن آراء المستشرقين أو آراء ألقاها
بعض الشيوخ والأئمة ضد بعضهم فى أوقات خلافات شخصية وهم بشر. واتفق معه فى أنه لا
قداسة إلا للقرآن والأحاديث المثبتة، وكل الاحترام لآراء الفقهاء التي على
اختلافها اختار منها ما أرى أنه يناسبنى.
ببساطة شديدة المناظرات على طريقة إسلام البحيرى هى نموذج من نماذج القصور العلمى
الذى نعيشه دائماً، فالرجل لم يعطينا سوى انتقادات وانتهى منها بضرورة نسف الفقه
معتبراً إياه تراثاً، متناسياً أنه لا
يمكن حذف أي شيء من التراث، لأن ذلك ينافى قواعد العلم، ويعتبر خللاً في المنهج
العلمي، وأنه أن كان له رأى واضح فليبرزه منتقداً رأى الإمام بشخصه في المسألة
موضوع النقد وليس من حقه أن يقول إن التراث لا يصلح أو يتعدى ليطالب المسلمين بترك
فقه الذى بطبيعته متعدد الآراء والتوجهات.
إن الخطأ الذى يرتكبه الأستاذ بحيرى هو أن نهجيته تعتبر بداية للتشكيك في
السنة وأسانيدها وهو بذلك يفتح الباب أما سؤال مهم هل السيد إسلام البحيرى ناقد أم
مصلح؟ فمثلا أن الملحدين يعتبرون أنفسهم ناقدين للأديان بشكل عام، في حين أن
المصلح هو من يمتلك رؤية للإصلاح وتبيان الخلل إن وجد، وإن لم يفهم السيد إسلام
هذا سيجد نفسه دون أن يقصد مكملاً للدور الذى تلعبه تيارات الإلحاد في المجتمع،
وهو في هذا لا يختلف عن الإخوان الذى مارسوا الفعل والقول المسيئ للإسلام، كما فعل السيد إسلام بالقول.
وكذلك فإن الأزهر أخطأ في أنه لم يعط رأياً واضحاً في المسائل الخلافية التي تحتاج شروحاً واضحة، إن ما يحتاجه المسلمون اليوم هو أن يقوم
الأزهر بدراسات فقهية معتبرة حول فقه المعاملات وليس فقه العبادات فقط، فالمشكلة
الكبرى أن أخلاقيات الإسلام تتراجع في حين يتم تصعيد المظاهر الخالية من أي جانب
روحانى، كما أن الأزهر لم يبرز ضعف النصوص
التي تعتمد عليها التيارات الإرهابية في القتل والتنكيل
والتكفير، وأن الأزهر هو المسئول الأول عن المواجهة الفكرية ضد أفكار الإرهاب
والمذهبية والطائفية، ولي مجرد صالون يجمع الأفكار كلها ولا يجرؤ على نقد أحدها.