قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ثلاثة أعوام على حكم أولاند.. الأوساط الفرنسية ترصد أهم إنجازات وإخفاقات الرئيس


تعيش فرنسا هذه الأيام أجواء تمتزج فيها حالة من الترقب والتطلعات في ظل مرور ثلاث سنوات على وصول الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند إلى سدة الرئاسة.
وفي هذا السياق اهتمت الأوساط الفرنسية برصد أهم الإنجازات والإخفاقات التي ميزت هذه الفترة من حكم الرئيس الفرنسي ومدى تأثيرها على العامين المتبقيين في حكمه وفرص ترشحه في انتخابات الرئاسة القادمة عام 2017.
ويتفق المراقبون على أن حصاد ثلاث سنوات من حكم الرئيس أولاند يعد محبطا بدرجة كبيرة لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فحتى الآن لم ينجح أولاند في الوفاء بمعظم وعوده الانتخابية التي التزم بها قبل وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في مايو 2012. ويبدو أن العامين المتبقيين في حكمه لن يكونا كافيين لتحقيق هذه الوعود أو على الأقل معظمها، فقد أخفق في تحقيق طموحات الشعب الفرنسي الذي كان يتطلع إلى تحسين أوضاعه المعيشية والنهوض ببلاده وهو الأمر الذي فاقم من حالة انعدام الثقة بين الرئيس ومواطنيه وبالتالي ساهم في تدني شعبيته يوما تلو الآخر.
وفي الذكرى الثالثة لتوليه حكم فرنسا، يرصد المراقبون أهم التعهدات التي لم ينجح أولاند في تحقيقها والتي أدت إلى اهتزاز صورته أمام المواطنين. ولعل أولى هذه التعهدات هي خفض البطالة والقضاء عليها، وعلى الرغم من أن أولاند قد وضع هذه المسألة على رأس أولوياته الرئاسية إلا أنها كانت من أكثر الأمور التي أثبتت فشل سياساته بصورة واضحة. فخلال الثلاث سنوات الماضية ارتفعت معدلات البطالة بصورة غير مسبوقة حتى تجاوز عدد العاطلين عن العمل ستة ملايين شخص.
وأظهرت الإحصاءات الرسمية في نهاية مارس الماضي ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بنحو 615 ألف عاطل عن شهر مايو 2012 عند تولي أولاند حكم البلاد، أي أن متوسط الزيادة في عدد العاطلين عن العمل بلغ 17,600 عاطل شهريا. وبذلك تكون معدلات البطالة قد زادت من 9,5% عام 2012 إلى 10,4% في أوائل 2015.
أما على صعيد معدلات النمو الاقتصادي، فلم ينجح أولاند في تحقيق الانتعاشة التي وعد بها خلال بداية توليه الحكم واعترف أنه أساء تقدير حجم الأزمة الاقتصادية في البلاد وأعلن عن دخول الاقتصاد في حالة ركود خلال عام 2014 حيث كانت نسبة النمو خلال الربعين الأولين من العام الماضي تساوي صفرًا ولكنها ارتفعت في نهاية 2014 دون أن تصل إلى المستوى المطلوب الذي يتطلع إليه الرئيس.
وفيما يتعلق بخفض عجز الميزانية إلى نسبة الـ 3٪، والذي كان قد وعد أولاند بتحقيقه عام 2013، فإنه لم ينجح في ذلك حتى الآن حيث بلغت نسبة العجز وفقا لآخر إحصاءات في مارس الماضي حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وتم تأجيل هذا الوعد إلى ما بعد 2017 وهو الأمر الذي يشكك الاتحاد الأوروبي في إمكانية حدوثه حيث من المتوقع أن يتواصل تضخم هذا العجز في السنوات المقبلة ليتجاوز حدود 4,7٪ في العام المقبل.
أما بالنسبة للدين العام، والذي كان قد وعد أولاند بتخفيضه إلى نسبة 80,2% في نهاية الخمس سنوات من حكمه، فمن المنتظر أن يتجاوز 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017. وأوضحت الإحصاءات أن حجم الدين العام ارتفع منذ منتصف عام 2012 حتى نهاية عام 2014 بمبلغ 168 مليار يورو.
وبالنسبة للسياسة الضريبية، فلم تكن هي الأخرى على مستوى التوقعات، حيث قفز العبء الضريبي إلى 30 مليار يورو خلال العامين الماليين الأوليين من حكم أولاند في حين كانت الوعود تفيد بأن “تسعة من كل عشرة فرنسيين” لن يتأثروا بالزيادات الضريبية.
وفي عام 2013، خضعت أكثر من مليون أسرة فرنسية للزيادة في الضريبة. أما بالنسبة لضريبة القيمة المضافة، فقد زادت بما قيمته 5 مليارات يورو في 2014، وبذلك أصبح معدل الضريبة في فرنسا واحدًا من أعلى المعدلات في العالم، وهو ما أثر بدوره سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين.
أما على الصعيد السياسي، لم تكن سنوات حكم أولاند فترة ازدهار بالنسبة لليسار الفرنسي على مختلف المستويات. فمن ناحية خسر الحزب الاشتراكي، الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي، معظم المعارك الانتخابية التي خاضها وكان من أشهرها الانتخابات البلدية في مارس 2014 والتي فاز فيها حزب اليمين "الاتحاد من أجل حركة شعبية" بنسبة 45,91% من الأصوات بينما حصل الحزب الاشتراكي الحاكم على 40,91% في حين جاءت الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتطرف في المرتبة الثالثة بعد حصولها على 6,84% من الأصوات.
كما مُني الحزب الحاكم بهزيمة كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في مايو الماضي واحتلت الجبهة الوطنية فيها المرتبة الأولى من بين الأحزاب الفرنسية بعد حصولها على 24,85% من الأصوات يليها حزب الاتحاد من أجل حركة الشعبية الذي حصل على 20,8% بينما جاء الحزب الاشتراكي الحاكم في المركز الثالث حيث لم يحصد سوى 18,13%.
ووجهت صفعة جديدة لليسار في انتخابات التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ التي جرت في سبتمبر 2014 بعدما استعاد اليمين السيطرة عليه وتمكن هو وحلفاؤه من أحزاب الوسط من الحصول على الغالبية المطلقة في المجلس.
وكان آخر الهزائم التي لحقت بالحزب الاشتراكي الانتخابات الإقليمية التي جرت في مارس الماضي وتصدر فيها حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" وحلفاؤه الوسطيون المرتبة الأولى بنسبة 30,32% من الأصوات في حين حصلت الجبهة الوطنية على نسبة 25,97%، ليأتي الحزب الاشتراكي وحلفاؤه اليساريون في المرتبة الثالثة بعد حصولهم على 21,31%.
من ناحية أخرى شهد الحزب الاشتراكي في عهد أولاند انقساما داخليا ملحوظا حيث اختلف عدد من كبار قادة الحزب حول كثير من السياسات الاقتصادية للرئيس وأعلنوا معارضتهم له في أكثر من مناسبة وكان من أبرز هؤلاء وزير الاقتصاد السابق أرنو مونتبورج الذي أخذ ينتقد برنامج الحكومة الخاص بتقليل عجز الموازنة واتهمها بتبعيتها للقرارات الاقتصادية المعتمَدة من طرف ألمانيا، وهو ما اعتبره أولاند تجاوزا للخط الأحمر وترتب عليه استقالة حكومة مانويل فالس الأولى وتكليفه بتشكيل حكومة جديدة في أغسطس الماضي.
والواقع أن تغيير الحكومات كان أحد أبرز سمات فترة حكم أولاند. فعلى مدار الثلاث سنوات، تم تغيير الحكومة أربع مرات حيث تم تكليف جون مارك أيرو في الفترة من مايو 2012 حتى يونيو 2012 ثم كُلف مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة من يونيو 2012 حتى مارس 2014.
وبعد هزيمة الاشتراكيين في الانتخابات البلدية تم تكليف مانويل فالس لتشكيل حكومة جديدة من ابريل 2014 حتى أغسطس 2014 ثم تم تكليفه مرة أخرى بعد إقالة عدد من الوزراء المعارضين للرئيس وتم تشكيل الحكومة الرابعة في عهد أولاند. وخلال فترة تولي هذه الحكومات تم إقالة عدد من المسئولين إما نتيجة معارضتهم لسياسات الرئيس كما هو الحال بالنسبة لوزير البيئة ديلفين باثو، أو نتيجة اتهامهم بجرائم فساد مثل وزير المالية جيروم كاهوزاك.
ويتبين من المشهد السابق أن الانتقادات التي توجه إلى الرئيس لم تقتصر فقط على معسكر المعارضة بل كانت تخرج أيضا من داخل معسكره وهو ما أحدث زلزالا سياسيا داخل الحزب الاشتراكي أضعف من مكانته على الساحة السياسية الفرنسية.
ونتيجة لمجمل الإخفاقات السابقة تدنت شعبية الرئيس أولاند بصورة غير مسبوقة حتى أنه أصبح الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة. وأظهرت آخر استطلاعات للرأي أن ما يقرب من ثمانية أشخاص من كل عشرة فرنسيين غير راضين عن أداء الرئيس أولاند منذ انتخابه. فيما أظهر استطلاع آخر للرأي أجراه معهد أودوكسا للدراسات لصالح صحيفة "لوباريزان" الفرنسية الأسبوع الماضي أن ٧٠٪ من الفرنسيين يفضلون ترشح مانويل فالس لتمثيل الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية القادمة في ٢٠١٧، في مقابل ٢٤٪ يفضلون الرئيس الحالي.
ورغم أن شعبية أولاند قد شهدت تحسنا جزئيا بداية العام الجاري عقب الاعتداءات الإرهابية ضد صحيفة "شارلي إيبدو" والمسيرة التاريخية التي أعقبتها وضمت مختلف قادة العالم لإعلان تضامنهم ضد الإرهاب غير أنه لم يتمكن من الحفاظ على هذه الشعبية بسبب فشله في مواجهة الارتفاع المستمر في معدلات البطالة وعدم النهوض باقتصاد البلاد.
ويمكن القول أن السياسة الخارجية هي المجال الوحيد الذي لاقى استحسان الفرنسيين تجاه أولاند حتى أن غالبية استطلاعات الرأي تظهر أن أكثر الشخصيات التي تحظى بشعبية بين المواطنين في فرنسا هم وزراء الخارجية. واستطاع أولاند أن يتعامل مع كل ملف من ملفات السياسة الخارجية بصورة مختلفة ورغم تعرضه للانتقاد من قبل البعض بسبب تدخلاته العسكرية غير أن غالبية المراقبين يرون أن هذه التدخلات، خاصة في مالي وأفريقيا الوسطى، كانت ضرورية وعاجلة وتمت بناء على طلب الدول المعنية نفسها وفي إطار قانوني دولي وتمتعت بقدر كبير من المساندة الدولية. كما يرى المراقبون أن فرنسا لعبت دورا محوريا في دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.
ورغم هذا الإنجاز المحدود على الصعيد الخارجي إلا أن ما يهم المواطن دائما في تقييم أداء الرئيس هو سياساته الداخلية ومدى نجاحها في تحسين أوضاع الشعب. وفي هذا الصدد يتفق عدد كبير من المراقبين على أن الثلاثة أعوام المنقضية في حكم أولاند لم تأت بالحصاد الإيجابي الذي يمكنه من كسب ثقة المواطنين من جديد والترشح لانتخابات الرئاسة في 2017. فأولاند لم يعد يملك أي جديد يقدمه للفرنسيين لأنه استخدم جميع أوراقه ولم يعد بمقدوره تغيير مسار البطالة أو تخفيف الأعباء الضريبية المفروضة على الفرنسيين حتى 2017، وهي من العناصر الأولية التي يشترط المواطن الفرنسي تحقيقها عند اختياره لرئيسه القادم.