قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نسخة قرآن برمنجهام "عُمرية"


اكتشاف مهم في التاريخ الإسلامي تقدمه مدينة التنوع الثقافي في المملكة المتحدة برمنجهام عبر جامعتها العريقة جامعة برمنجهام وأحد باحثي الدكتوراة بها وهو يقلب بين 3000 وثيقة محفوظة في مكتبة الجامعة جُمعت في عشرينيات القرن الماضي من مدينة الموصل العراقية، اذ به يعثر على نسخة مكتوبة للقرأن الكريم تعود الى العقود الأولى من الاسلام.

وتعود أهمية هذه النسخة التي أعلن عنها البروفيسور ديفيد توماس وهو أحد الاساتذة المتخصصين الى استخدام تقنية الكربون المشع الموجودة في معامل جامعة اكسفورد، وهي التقنية الدقيقة التي تحدد فترة كتابة الوثائق والمخطوطات ليجدوا أن كتابته قد تمت ما بين عامي 568 و645 ميلادي، وبوضع هذه التواريخ نصب أعيننا وتاريخ وفاة النبي في عام 632 ووفاة عمر بن الخطاب في عام 644 يتأكد كونها في أحد العهود الثلاثة أما في عهد النبي نفسه وهذا ما يصعب ترجيحه كون عمر بن الخطاب هو صاحب فكرة جمع القرأن في عهد خلافة ابو بكر الصديق والتي عارضها الأخير بقوة، كما تثبت المراجع التاريخية وكانت حجته الا يقدم على عمل لم يقوم به النبي أثناء حياته، وبعد إلحاح من عمر بن الخطاب الوزير الأول للخليفة في ذلك الوقت وقوة حجته.

في السبب الذي دعاه لذلك وهو موت عدد كبير من صحابة الرسول ، في حروب الردة التي سيطرت أحداثها على زمان ابو بكر الصديق وأبرزها موقعة اليمامة والتي استشهد فيها قرابة 70 صحابيا من أعلم صحابة الرسول بالقرأن، وهو ما تفطن له عمر، فخاف على موت المزيد من الصحابة في معارك المسلمين القادمة في ظل دولة اسلامية مازلت في العقود الأولى للنشأة وجيوشها منتشرة في الشرق، وتخطط أن تصل رسالتها الى العالم كله، وبعد مداولات ومناقشات استقر رأي الصديق ابو بكر للاستجابة لرغبة عمر، وكلف الصحابي زيد بن ثابت بهذه المهمة وهو أحد علماء المسلمين الأوائل وأحد أهم أحبارها وأحد كتبة الوحي وله فضل كبير وعلم غزير بالقرأن.

ولقد وضع زيد بن ثابت منهجا واضحا كما تذكر المصادر التاريخية المعتبرة لجمع القرأن على نحو مقبول، وهو الاعتماد على مصدرين أساسين؛ اولهما ما كُتب امام الرسول، أو بأمر منه وكان زيد نفسه من كتبة الوحي، وثانيهما ما كان محفوظا لدى الصحابة مع وضع شرط أن يتيقن من المكتوب من أكثر من صحابي عايش الرسو، ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده، لذلك قال في الحديث الذي أورده البخاري، إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبي خزيمة، أي: لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أن زيداً كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط.

وبالعودة الى نسخة برمنجهام المكتشفة حديثا نجد انه يصعب انجازها في عهد أبو بكر الصديق، لأن زيد ابن ثابت المتوفي سنة 45 هجرية، بعد وفاة عمر بن الخطاب بعام واحد، لم يثبت انه قد أتم نسخة كاملا في زمان ابي بكر، الذي لم يمكث في الخلافة سوى عامين وثلاثة أشهر مع الأخذ في الاعتبار بقائه رافضا فكرة الجمع نفسها في البداية، وانشغاله بحروب الردة كما ان الحديث حول جمع القرأن كان بعد موقعة اليمامة التي وقعت بعد شهور من توليه الخلافة، فضلا عن هذا أن البروفيسور ديفيد توماس أحد اساتذة برمنجهام والمشرفين على هذا الاكتشاف، قد أكد على أنها ليست النسخة الأقدم بين نصوص القران المحفوظة في العالم، كل هذا يشير الى احتمالية كبيرة الى تأريخ هذه النسخة الى عهد عمر بن الخطاب وهو ما يتفق مع نتائج تحليلات الكربون المشع للنسخة المعثور عليها والتي تنتهي في 645 وهو ما يلي وفاة عمر نفسه بعام كامل.

ومن الدلائل التي تشير الى ان هذه النسخة عُمرية اي تعود الى عهد عمر بن الخطاب ايضا ان – - هذه النسخة مكتوبة بخط يد "حجازي" وهو الذي وجٌد في المكاتابات التي تعود الى عصر عمر بن الخطاب، كما ان اللفافات المعثور عليها قد كٌتبت على جلد الماعز وان المجتمع الاسلامي لم يكن يستطيع توفير جلود الحيوانات من الناحية الاقتصادية في خلافة ابي بكر.ومن الدلائل الهامة للغاية في هذا الاكتشاف أن هذه النسخة ربما يكون قد تم اخفاؤها في عهد عثمان بن عفان عندما قرر بعد مشورة كبار الصحابة حرق جميع المصاحف الموجودة حفاظا على وحدةالنص القرآني وتجنبا للخلاف والشقاق بين الألسنة واللهجات. وبالعودة للثابت الصحيح من المصادر التاريخية يتبين ان الصحابة بما فيهم عبدالله بن مسعود قد اجتمعوا على هذا الأمر وبالقطع حدث ذلك بعد الاعوام التي حددتها معامل الكربون المشع في نسخة برمنجهام

مما يعني أن هذا المُصحف قد تم اخفاؤه عن عثمان لتجنيب حرقه وهو يُعد امرا جللا في الميزان الاسلامي، وإن صح فانه على الأرجح قد حدث في الكوفة، وهي البلد التي كان بها عبد الله بن مسعود، والذي كان رافضا في بداية الأمر حرق نسخته الشهيرة الى أن أذعن عن اقتناع لقرار الخليفة عثمان بعد أن تشاور مع كبار الصحابة في المدينة وهو ما ثبت في صحيح المراجع التاريخية، وأن صحت هذه الافتراضات فإنه ربما تكون هذه النسخة مما قد أعيد نسخه دون علم عبد الله بن مسعود نفسه في الكوفة، خاصة اذا علمنا أن كل المخطوطات القديمة الموجودة في جامعة برمنجهام تم العثور عليها في الموصل بالعراق في عشرينيات القرن العشرين وهو دليل جغرافي يرجح هذه الافتراضية.

وفي النهاية لاشك أن هذا الاكتشاف له أثر مهم في الوقوف عند المراحل الأولى لجمع القرآن الكريم، وهو بالقطع يرد على شُبهات حديثة تطاولت عليه وادعت تحريفه وها هي واحدة من أقدم النسخ التى تشير الى توافق تام مع أحدثها وما بينهما اكثر من 13 قرنا من الزمان، وهو برهان لما جاء من آيات القران نفسه، تشير الى ان الله قد أنزله وقد تعهد بحفظه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر: 9