الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عجز فكر الموازنة


رب أسرة موظف ولديه دخل ثابت ومعلوم مسبقًا، قرر بمفرده ودون ان يأخذ رأى أحد ان ينفق ضعف دخله على أسرته وعلى سداد جزء من ديونهم السابقة، وعد أبناؤه متباهيًا بما سينفقه عليهم، ثم بعد لحظات قال لهم جميعًا، إنه لا يعرف من أين سيأتى بهذه الاموال التى وعدهم بها، وأن لديه عجز فيما خطط له وعليهم هم تحمل مسئولية توفير مبلغ هذا العجز!

هذا بالضبط ما يحدث على مستوى الحكومات الرشيدة فى معظم دول العالم الثالث، عند أعداد الميزانيات السنوية لهذه الدول، فالحكومات هى من تقوم بأعداد الميزانيات عن طريق وزارات المالية فيها، وبناء على توجيهات وتعليمات وطموحات وأحلام الرؤساء، ثم أن كان هناك كيانا برلمانيا صورىا فى هذه الدول يتم أخذ بصمة الأعضاء عليها كنوع من الإجراءات الشكلية الصورية، وإن لم يكن هناك برلمان صوري فيكفى توقيع الرئيس عليها.

فلا الشعوب لها دور فى الاعداد والتخطيط، ولا لها دور فى أوجه الإنفاق، ولا لها دور فى مراقبة أو حتى تحديد أوجه الانفاق، هى دورها يقع فى جانب ما قبل الانفاق وهو التحصيل، حيث تكون مطالبة بتوفير هذه الأموال سواء فى صورة رسوم يسددونها فى مختلف شئون حياتهم اليومية من بيع وشراء وتصدير واستيراد وغيرها أو ضرائب يدفعونها بداية من ضرائب على ألبان الأطفال حديثى الولادة وحتى ضرائب على أكفان الموتى.

وفى شهر يوليو من كل عام فى مصرنا الحبيبة يبدأ العمل بالميزانية الجديدة للدولة، وهذا العام جاء كعادة الأعوام الماضية فى الحديث عن العجز فى الموازنة العامة، وإن كان الجديد هو أن العجز هذا العام قد قارب الخمسين فى المائة منها، وإجمالى الدين العام قارب الناتج القومى الإجمالى، فهذه النسب المهولة هى وحدها الجديدة أما العجز فهو ليس بجديد علينا منذ سنوات.

ولذا مع تكرار العجز فى كل عام , يبدو لى أن العجز فى الاساس هو عجز فى فكر التعامل مع بنود الايرادات والمصروفات فى الدولة، ولا أعرف حقًا أن كان عجز الفكر هذا هو عجر طبيعى أم عجز مصطنع ناتج عن ضغوط ما،  فالايرادات العامة للدولة معروفة وشبه محددة مسبقًا، فما الداعى لأن أضع فى بند المصروفات ضعف هذه الايرادات المتوقعة ؟ وبنود المصروفات معروفة ايضًا فهى أما سداد اقساط ديون أو سداد مرتبات أو تكاليف دعم الطاقة والغذاء أو مشتريات بكافة أنواعها ومسمياتها.

ومن هنا كان أمام الحكومة عند أعداد الميزانية طريقان واضحان لا ثالث لهما، طريق زيادة ال‘يرادات أو طريق تقليل المصروفات، أو ربما عمل الاثنين معًا فى نفس الوقت، وطريق زيادة الايرادات عن طريق الاقتراض من الداخل أو الخارج هو طريق خلفى لزيادة المصروفات مرة أخرى بطريقة غير مباشرة، لأنها فى النهاية ستكون أعباء على الميزانيات اللاحقة لها، وستكون فى بند المصروفات مرة أخرى آجلًا أو عاجلًا.

ولذا فإن الحل العملى والطبيعى لما وصلنا إليه هو العودة الى نقطة الصفر فى الميزانية، والاستماع إلى كل رأى أو فكر إبداعى يقدم حلًا للمعضلة التى نحن بصددها، والأهم من ذلك هو أن تكون هناك رغبة حقيقية للاستماع لهذه الحلول من أجل تنفيذها بعيدًا عن هلاوس وأوهام عظمة ما فعلناه وما سنفعله، لأن المفعول بهم اذا فاض بهم كيل الأعباء سيتحولون تلقائيًا إلى فاعلين بين عشية وضُحاها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط