الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلام دافئ وصراع بارد


من السذاجة  أن نتصور أن إسرائيل غير قلقه من تصاعد خطط تسليح الجيش المصرى، وفى المقابل أن مصر مستريحة لحصول إسرائيل على طائرات f35، وهذا لا يعنى ان الطرفان يفكران في الحرب، لكن هناك ما يسمى ميزان القوة .. هذا الميزان ليس عسكريا فقط .. وانما اقتصاديًا وعلميًا واجتماعيًا وفكريًا ومعلوماتيًا. 

قديمًا قالوا " لا توجد قوتان بينهما حدود مشتركة وبينهما سلام هادئ" ، وغالبًا ما تتحول العلاقة بين الدولتين الجارين الى حالة تنافس أو علاقة قوة صاعدة بأخرى تابعه، إذ كلما اقتربت نقاط التماس بين البلدين تضيق فرص التلاقى والمشتركات لصالح التناقضات العميقة، ولكن هذا لا يعنى الحرب في أغلب الأحوال، بالرغم أنه وعبر التاريخ وحتى العشرين سنة الأخيرة، قامت الحرب بين الجيران في أغلب أقاليم العالم. 

لهذا فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية تخضع للمفهوم نفسه، فهى علاقة تنافس استراتيجي في افضل الأحوال، فتناقضات المصالح الحيوية حاضرة بقوة، فعلى سبيل المثالتقوم نظرية الأمن الاسرائيلى على تقسيم المنطقة العربية الى ثلاثة دوائر الأولى دائرة وادى النيل والثانية دائرة الشام والعراق والثالثه دائرة الخليج العربى، وتقوم مصالح إسرائيل على ضرورة تفريغ القوة من الدوائر الثلاثة ومنع ارتباطها ببعضها البعض لأن ذلك يمثل تهديدًا وجوديًا لدولتها. 

تطبق إسرائيل أيضًا نظرية المحيط، وهو مبدأ ابتدعه بن جوريون ويقوم على تكوين تحالفات مع دول الجوار العربىوهى تركيا وايران واثيوبيا بهدف شد الأطراف والعربية الى الصراعات الخارجية، وذلك لإبعاد نظر العرب وزرع مجالات للصراع الدائم على حدود العرب مع آسيا وافريقيا واوربا، ولعل العلاقات التركية الإسرائيلية المعلنة ووتفاهماتها السرية مع إيران وزيارة نيتانياهو الأخيرة الى منابع النيل كاشفة عن استمرارية اتباع إسرائيل لمبدأ المحيط.

كذلك فإن إسرائيل بلد مبنى على أساس دينى بعقيدة تلمودية " وهى مجموعة النبوءات التى يقدسها اليهود الإسرائيليين والتي يعدهم فيها رب الجنود بخراب مصر وسيادة إسرائيل عليها. 

من جهة أخرى، فإن اسرائيل تشك في أن خطط توسيع القوة العسكرية المصرية هدفه الأساسى تعديل الخلل في ميزان القوى بعد انهيار الجيش العراقى وتراجع قدرات الجيش السورى، وكذلك فإن خطط التنمية الاقتصادية في سيناء هي تتعارض وتتناقض مع خطط إسرائيل لتعمير صحراء النقب، وكذلك فإن تطوير ميناء دمياط شرق التفريعه يضعف مكانة موانئ آشدود وحيفا، وقبل ذلك كان تطوير أقليم قناة السويس سبباُ في تعطل مشروعي سكك الحديد بين موانئ ايلات وحيفا كطريق موازى لقناة السويس. 
أذكر أن مصر عندما أعلنت عن اقامتها لأكبر منطقة تخزين حبوب في العالم لم تنتظر إسرائيل أكثر من 12 ساعة لتعلن عن سعيها هي الأخرى لتأسيس مشروع مماثل. 

هناك سؤال مهم وحيوي .. لماذا أعلنت إسرائيل عن زيارتها الى دول منابع النيل بعد أن أعلنت مصر أعادة احياء المبادرة العربية .. ولماذا أعلنت إسرائيل عدم أحقيه سوريا في الجولان بعد أن أكدت مصر على أن أسس السلام هي العودة الى اراضى ما قبل 5 يونيو 1967. 

ولماذا ثارت حالة من الارتباك أثناء تشكيل الحكومة الإسرائيلية بعد اعلان مصر لمبادرتها، حتى أن نيتانياهو أوقف مشاوراته الحكومية مع اليسار الاسرائيلي واسرع بتشكيل حكومة يمينية متطرفه وصلت الى أن أصبح ليبرمان وزيرًا للدفاع. 
يخطئ كثيرون في توصيف التواصل المصرىالاسرائيلى على أنه علاقات صداقة، خاصة وأن الغالبية تدرس الأمور إما بعاطفه ساذجه أو ببرجماتيه قاتله.

لكن المدهش فعلًا هو بروز تيار جديد في الأوساط السياسية المصرية .. يتصور أن أنهاء أو التخلص من القضية الفلسطينية سيؤدى الى انهاء أسباب الخلاف أو التنافس والصراع بين مصر وإسرائيل، ههؤلاء تناسوا أن وجود مصر وحدود أمنها هي حالة دائمة غير مرتبطه بوضع حل سياسي لأزمة الشعب الفلسطيني. 

ومن الغباء أن يظن البعض أن القضية الفلسطينية كانت عقبة في طريق تحقيق علاقات متوازنة في منطقة الشرق الأوسط  الأحرى كانت القضية الفلسطينية ضحية اختلال التوازنات في الشرق الأوسط .

فمصر عبر التاريخ كانت تحقق انتصاراتها العسكرية من غزة وعلى ارض فلسطين والشام .. فموقع إسرائيل على الخريطة هو أحد أهم مواقع الانطلاق الاستراتيجي المصرى عبر التاريخ .

أن حدود الأمن القومىالمصرى أكبر كثيرًا من أن تتقزم لتصبح إسرائيل هي محور حركته، وبالعكس فإن إسرائيل هي من تحاول أستيعاب حجم ضخامة حدود الأمن القومىالمصرى بداية من مضيق باب المندب وحتى منابع النيل والخليج وشرق المتوسط وحتى مضيق جبل طارق.

وإذا كان البعض يقول أن الحداثة في العالم قادرة على القفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، أوأن منطق الشركات قابل للتطبيق على الدول، فعليه أن ينظر الى العالم من حولنا ليرى ما هي شكل العلاقات التنافسية بين الهند وباكستان وبين اليابان والصين وبين كوريا الجنوبية والشمالية وبين تركيا وأرمينيا وتركيا واليونان وتركيا وايران وايران الخليج العربي وبين روسيا وأمريكا وجنوب افريقيا ونيجيريا. 


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط