الجريمة والشرطة.. وجريمة الشرطة

يرى المُشَرَّع الرايق الذي يناقش ويدرس ويفند ويكتب القوانين وموادها أن وجود ألف وربما أكثر أو أقل،ألف مذنب يمرحون بيننا أحراراً طلقاء يعيثون في الأرض فساداً خير من أن يُسجَن برئ واحد،يبدو أن هذه القاعدة تمثل مجموع سياساتنا وعقائدنا ومبادئنا الشرطية والعدلية هذه الأيام،فرجال أمننا وقضاتنا يبدو أنهم اتفقوا وقلَّما يتفقون على رأي بدليل أن الشرطة تعد التحريات والمحاضر والتهم والقضايا والغالبية العظمى منها "تطلع فشوش"،أما اليوم فإن الطرفين اتفقا وليتهما ما اتفقا،اتفقا على أن يمارس الشعب المصري هوايته في البلطجة واختراع وتطوير الجريمة حتى بتنا لا تصيبنا الدهشة مهما خرجت علينا الجريمة بكل ما هو غير منطقي وغير إنساني وغير معقول وغير مقبول، تتبختر الجرائم في بر مصر صباح مساء وتراق الدماء وتنتشر الحرائق ويمثل رجال الشرطة الغالبية العظمى من المتفرجين،الشعب يمارس الجريمة والشرطة تراقب وتقضي وقتاً ممتعاً من الفرجة وحين يُسدل الستار يخرج بيان الداخلية الذي هو نسخة مطبوعة ولا يتغير فيه إلا عنوان الجريمة وأسماء مرتكبيها الذين لا يتم القبض على واحد منهم بدليل تكرار الحادث بعد أيام والأبطال هم الأبطال والكومبارس هم الكومبارس ورجال الأمن هم المتفرجون.
إنها تمثيلية ساقطة ومملة وبليدة بدليل أن بلادتها يتكيف معها أناس غالبيتهم جاءت من بلادة لا من دم ولحم،لم أتجن ولكن تلك هي الحقيقة والتي هي الابن الشرعي لحادث سوهاجي المنشأ،حادث تكرر ربما لأكثر من ثلاث مرات خلال أيام معدودة،ومع كل مرة أي مع كل عرض يقع القتلى والجرحي وتراق الدماء وترتفع ألسنة لهب الحرائق ،حادث يتم عرضه في حي الشهيد عبدالمنعم رياض بسوهاج،حي شعبي فقير ولكن ثبت أنه ليس بالفقير بدليل أن الرصاص الذي تم استهلاكه في هذا الحادث المكرر إنما يكفي ثمنه لحل مشكلات الحي بأسره،أسلحة لو أنها بيد الغزاوية"أخوتنا في غزة"،لاستطاعوا بها طرد إسرائيل من الشرق الأوسط والأدنى وما يستجد من شرق وربما من غرب،معارك طاحنة قتل فيها أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل ولا حتى حمار في معارك حي الشهيد بسوهاج،سوهاج التي كان غالبية أهلها يكملون عشاهم نوماً فصاروا ينامون على موسيقى الرصاص الحي والمولوتوف والسيوف ولا ينقصنا غير مطالبة مجلس الأمن لنا بضرورة ضبط النفس.
لن يتوقف مسلسل القتل ولاالحرق والجريمة المسلسلة والتي أخذت الناس من التليفزيون ربما تضطر تركيا إلى التوقف عن إنتاج مسلسلات طالما أن الجمهور المصري قد انصرف عنها لمتابعة مسلسلات الدم والدخان مصرية التمثيل والإنتاج والإخراج ،أين انت يا مهند؟! أين أنت يا عاصي؟! ذهبتما وبقي العصيان والتمرد والتغول والفجور طالما ظلت العدالة تمتطي سلحفاة هزيلة مريضة عرجاء،حقا ،العدل البطئ إنما هو ظلم فائق السرعة،لماذا لا تتم محاكمة مرتكبي جرائم هذه الأيام في محاكمات علنية وفي سرعة فائقة، إذ أن أركان الجريمة واضحة المعالم يراها الأعمى ويشمها الأبخر ويسمعها الأصم وتستنطق الأخرس الأبكم ،لا ينكرها إلا رجل شرطة هو الشاهد الأول والأخير والوحيد ومساعد المخرج لهذه الأحداث، لو أن محاكمات جادة وسريعة وعقوبات رادعة ظهرت على أرض الواقع لأراحتنا من كثير من هذه الجرائم التي وقعت ولكانت سبباً في موت الكثير منها في المهد ولاطمأن المواطن السوهاجي والمصري عموماً للسير في شوارع بلده،ولرفعنا القبعة لرجل الشرطة ورجال العدل،ولكن يبدو أن قبعاتنا ستبقى طويلاً على رؤوسنا دون أن تمتد لها أيدينا لترفعها طالما أن البلد انقسم بين مجرم ومتفرج،وجميعنا يعرف المجرم وجميعنا يعرف المهرج، أقصد المتفرج.