قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

بن تيمية وقطب وداعش وترامب


ترتفع علامات التفاؤل بقرب اقتراب نهاية الدولة الإسلامية، مع اشتداد المعارك المتزامنة ضدها في كل من ليبيا وسوريا والعراق. وقد ينطوي ذلك على مدعاة لتفاؤل حقيقي في تحجيمها، لكن ليس في استئصالها تماما. ولكنه تحجيم قد يستمر لبعض الوقت فحسب، لأن الدولة الإسلامية، طالما هي فكر لم يقابل بفكر مقابل، ستظل قادرة على البقاء حية ولو إلى حين، وستكون دائما تمتلك إمكانية انبعاثها مجددا، إن لم يكن أيضا بإمكانية احتفاظها ولو بقدرة عسكرية أقل، أو ببعض معالم الحياة التي لن تخبو تماما، وقد تكون قادرة بسرعة البرق على تجديد نشاطها واستعادة حيويتها.

وقبل الخوض أكثر في الموضوع، أود أن أذكر بأمرين، يشكلان دليلين مهمين على ذاك الاحتمال:

أولا) أن أبرز مثال على أن الفكر لا يموت تماما ما لم يقابل بفكر مقابل يمحوه تدريجيا، ملاحظة أن فكر بن تيمية الذي أطلق قبل تسعة قرون تقريبا، تفسيراته المتشددة لبعض الآيات القرآنية الكريمة وبعض أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، خفت تأثيره لبعض الوقت، لكنه عاد للانبعاث بعد سبعة قرون تقريبا على يد الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي سرعان ما انتشرت دعوته في السعودية، ولاحقا في بعض دول الخليج. وإذا كانت قدد خفتت لبعض الوقت في القرن التاسع عشر، فقد عادت للانبعاث في منتصف القرن العشرين على يد سيد قطب، أحد أقطاب حركة الإخوان المسلمين والذي قاد الجناح المتشدد فيها. ورغم قيام الحكومة المصرية بتنفيذ حكم الإعدام فيه عام 1966 بعد إدانته بتهمة التآمر على اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادثة المنشية، فإن أفكاره.. أفكار بن عبد الوهاب، أفكار بن تيمية، لم تمت أبدا، إذ تلقتها يد أخرى بعد رحيل سيد قطب ببضع سنوات، وأحيتها مجددا بتبني نهجها. وكان المتلقي هذه المرة هو أسامة بن لادن، ومن ثم حركة طالبان، ومعهما الدكتور أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة، وعلى يمينه يقف أبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة (فتح الشام)، كما يقف أبو بكر البغدادي على يساره في موقف أكثر تشددا ومغالاة في رفض الآخر. وذلك دون تناسي تواجد أمراء كل من بوكو حرام في نيجيريا، وشباب الصومال في الصومال، وأبو سياف في الفلبين، وغيرهم كثر من المنتشرين هنا وهناك.

ثانيا) أن الولايات المتحدة تخوض منذ ستة عشر عاما (دخلت الآن عامها السابع عشر) حربا في أفغانستان ضد تنظيم مشابه هو في الواقع التنظيم الأم الذي انبثقت منه الدولة الإسلامية، وضد طالبان أيضا المتحالفة مع القاعدة، ومع ذلك فان هذه الحرب لم تحقق نتيجة حاسمة، بل لم تحقق نتيجة على الإطلاق، فالقاعدة ما زالت ناشطة في الخارج، وطالبان لم تزل ناشطة وقوية في داخل أفغانستان، وتنفذ بين يوم وآخر هجمات على عدة مواقع، شمل أحدها مهاجمة قيادة القوات الأفغاننية ووزارة الدفاع في ذاك البلد الذي نكب في حرب دامت طويلا ولم تزل.

ومن هنا قد يمكن التساؤل عن السبب الكامن وراء هذا التفاؤل بالنسبة لمصير الدولة الإسلامية التي قد تنجح كل هذه المعارك المتزامنة في عدة أقطار، في استئصال الدولة الإسلامية خاصة والإرهاب عامة لبعض الوقت، ولكن ليس لكل الوقت، لأنه سيكون هناك دائما بن تيمية آخر، محمد بن عبد الوهاب آخر، سيد قطب آخر، أسامة بن لادن آخر، والأرجح أبو بكر البغدادي آخر، ما لم يجابه فكرهم غير الصحي (كي لا أقول المريض) بفكر بل أفكار مقابلة، منها الفكر الديني الصحيح، والفكر القومي العروبي وغيره من الأفكار القومية، والفكر العلمي والعلماني، بل كلها مجتمعة. فهذا الفكر المقابل، هو وحده القادر على استئصال الفكر الظالم والظلامي الذي ينشره هؤلاء، أما الاعتماد على القوة النارية فحسب، فتلك لن تستأصله. قد تحجمه بعض الشيء، قد تؤخره لبعض الوقت، لكنها لن تستأصله تماما، إذ قد يدخل في سبات لبعض الوقت ، ليعود للاستيقاظ مجددا بعد بعض الوقت أيضا.

ويستند بعض المراقبين، وخصوصا البنتاجون، في رؤيتهم التفاؤلية تلك، إلى تراجع عدد المنضوين شهريا تحت جناح الدولة الإسلامية. ويذكر الأستاذ جاسم محمد، المتخصص في قضايا الإرهاب ورئيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، في مقال له نشر مؤخرا على موقع "رؤية"، أن تقارير البنتاجون تشير الآن إلى تراجع عدد المنضوين الجدد تحت جناح الدولة الإسلامية، من ألفي متطوع جديد شهريا إلى مائتين، ما قد يعني تراجع عدد المقاتلين من المنتسبين الجدد تراجعا واضحا، فإذا أضفنا إليهم خسائرهم البشرية في ميادين القتال المتعددة، لا بد أن نلاحظ أن الدولة الاسلامية باتت تواجه فعلا موقفا صعبا، لكن ليس يائسا تماما.

فالمقاتلون الليبيون القادمون من مصراتة لينفذوا عملية البنيان المرصوص في مدينة سرت، يقاتلون الدولة الإسلامية على مدى سنة كاملة، ولم ينجحوا بعد في تطهير هذه المدينة الواحدة من مقاتليهم، إذ إن هناك جيوبا للمقاومة لم تزل ناشطة وفاعلة.

والقوات السورية بالتعاون مع سلاح الجو الروسي وحلفاء آخرين، تحاصر شرق حلب منذ عدة شهور في محاولة لتطهيرها من إرهابيين من نوع آخر، هم إرهابيو القاعدة المنضوين تحت جناح جبهة النصرة، وقد نجحوا فعلا في تطهير نصف حلب الشرقية منهم، والأرجح أن يتمكنوا من تطهيرها منهم تطهيرا كاملا خلال شهر آخر أو شهرين. إلا أن هذا التطهير لن يكون كليا أو شاملا، إذ من المرجح أن ينتقل أولئك المقاتلون إلى إدلب القريبة، لتضطر الدولة السورية بعدها، لخوض معارك أخرى في كل من ادلب والرقة، ربما في آن واحد.

وفي شمال سوريا تجري عدة معارك ضد مقاتلي الدولة الإسلامية ولا أحد يدري من يقاتل من هناك، فالأمر بمثابة حساء (شوربة) خضرة، فيه الكل يقاتل الكل، ولا توجد خطوط واضحة المعالم هناك. فبينما كان جيش سوريا الدمقراطي الموالي للولايات المتحدة، يقوم بمؤازرة قوات الحماية الكردية بتطهير الشمال السوري من مقاتلي الدولة الإسلامية، ونجحوا فعلا في تطهير بعض قراه ومدنه بما فيها مدينة منبج، تدخلت القوات التركية فجأة تحت جناج جيش سوريا الحر (مع جنود أتراك وغطاء جوي تركي) لتبدأ هي الأخرى عملية تطهير المنطقة من مقاتلي الدولة الإسلامية، فحررت جرابلس وأعلنت أنها ستمضي قدما في عمليتها العسكرية حتى تحرر مدينة الباب الحدودية، مع توجيه إنذار لقوة الحماية الكردية بوجوب مغادرة مدينة منبج الاستراتيجية، ومع إنذار آخر باحتمال حصول مواجهة بين الطرفين إن لم تغدرها. وهنا تدخلت القوات السورية بالتحذير أن تحرير مدينة الباب هي مهمة الجيش السوري وليس أي جهة أخرى. وادعت تركية في مرحلة ما، أن سلاح الجو السوري قصف القوات التركية الساعية لدخول مدينة الباب، وتسبب بوقوع قتلى وجرحى بين صفوف القوات التركية وجيش سوريا الحر.

وبالنسبة لمدينة الرقة، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تنتظر حسم معركة الموصل لتبدأ بعدها معركة الرقة، بل ستشرع بها فورا رغم علمها بانشغال القوات السورية، صاحبة الحق الأقوى في تحرير تلك المدينة، في معركة حلب الدامية. بل وكشفت الولايات المتحدة أنها سوف تستعين في عزلها، بجيش سوريا الدمقراطي الذي أثبتت التجارب، كما قال الأمريكيون، إنه القوة الوحيدة القادرة على القتال بجدارة. ولكن جيش سوريا الدمقراطي ذو الغالبية الكردية، أعلن أنه لن يكتفي بعزل مدينة الرقة، بل سيسعى لتحريرها متجاهلا دور الجيش السوري في ذلك والمتوقع بعد انتهاء معركة حلب. وهنا أعلنت تركيا أن قواتها هي التي ستحرر الرقة اذا تدخلت قوات الحماية الكردية، الظهير لجيش سوريا الديمقراطي، في عملية تحريرها.

أما بالنسبة لمعركة تطهير الموصل من مقاتلي الدولة الإسلامية، فيما يسمى معركة "قادمون يا نينوى"، فقد دخلت شهرها الثاني واستطاعت فعلا أن تحرر القوات العراقية بمؤازرة من التحالف الأمريكي، عددا كبيرا من القرى المحيطة بالموصل، وربما دخلت بعض أحيائها الواقعة على الجانب الآخر من النهر. لكنها لم تتمكن بعد من عبور النهر، بل ولم تتمكن بعد من تحرير مطار الموصل الذي تعلن منذ أسبوعين أنها تقترب منه، وأنها باتت على بعد كيلومترات قليلة من المطار.

ولكن إذا كانت القوات الليبية بمؤازرة 400 غارة جوية أمريكية على مواقع الدولة الإسلامية في سرت، لم تنجح بعد في تطهير المدينة تطهيرا كليا بعد سنة كاملة من القتال، فكيف يتوقع البعض أن يجري تطهير الموصل، وهي مركز الثقل بالنسبة لتلك الدولة (خلافا لسرت التي كانت أقل أهمية واستعدادا للقتال إضافة لكونها أصغر حجما من الموصل)، أن يتم تطهيرها في مدة تقل عن السنة الواحدة على الأقل، كي لا نقول سنتين وربما أكثر.

ومن هنا ينبغي التشكيك بالتفاؤل الأمريكي المبالغ فيه كثيرا في إمكانية استئصال الدولة الإسلامية بالسرعة التي يتوقون إليها، وأهمها قبل انتهاء ولاية الرئيس أوباما في العشرين من شهر يناير المقبل، فالعقبات في طريق النجاح في إنجاز هذه المهمة كثيرة ومنها:

أولا) عدم وجود تنسيق بين القوى الكبرى (روسيا والولايات المتجدة) تسعى لإنجاز هذه المهمة بنجاح ولو نسبي وفي وقت أقصر.

ثانيا) الخلافات بين المنتمين لجناح واحدـ، وعدم اقتصار الأمر على عدم التنسيق فيما بينها، بل وجود مصالح متضاربة بين ما يريده هذا الطرف وذاك. فالولايات المتحدة تناصر الأكراد، لكن تركيا، حليفتهم الأخرى، تعاديهم وتتضارب مصالحها مع مصلحتهم، إضافة إلى تضارب المصالح بين الولايات المتحدة وحلفائها في دول الخليج,

ثالثا) أن الولايات المتحدة تمر في مرحلة انتقالية بين رئيسين، أحدهما لم يزل في موقع الرئاسة، لكنه عاجز عن اتخاذ قرارات جوهرية وحاسمة في أيامه الأخيرة، وآخر منتخب ولم يتول بعد سلطاته الدستورية، ولدى توليها، لن يكون قادرا على اتخاذ قرارات جوهرية في الأشهر الأولى من رئاسته، لأنها تخصص عادة لإطلاعه على مجريات الأمور قبل الاقدام على اتخاذ قرارات حاسمة.

رابعا) أن الرئيس القادم ليست لديه رؤية واضحة للأمور، وقد لا يكون في موقع لاتخاذ قرارات جوهرية قبل مضي فترة طويلة تتجاوز مرحلة إطلاعه على كل الحقائق. أضف إلى ذلك أنه لديه رؤيا متناقضة فيما يريد أن يفعله. فهمه الأول كما يبدو هو عداؤه لإيران، وهذا بالنسبة له أكثر أهمية من عدائه للدولة الإسلامية رغم عدائه للإسلام تنفيذا لمفهوم الإسلامو فوبيا. لكنه في ذات الوقت يريد مقاتلة الدولة الإسلامية أيضا بسبب عدائه ذاك. يقابل ذلك رفضه لتمكين تركيا ودول الخليج من نصرة حركات المعارضة المسلحة في سوريا، ليس إرضاء لما يبدو أنه صديقه الرئيس بوتين، بل لكونها جميعها تصطبغ بصبغة إسلامية يوصف بعضها بالاعتدال وبعضها الآخر بالإرهابية والمتشددة، وهو لا يريد حكومة إسلامية أخرى في سوريا. كلها إذن متنافضات، وسيحتاج لوقت طويل كي يحسم أمره ويقرر في أي اتجاه سيتجه. وهذا التردد والتناقض بين ما يريده، قد يساعد الدولة الإسلامية على البقاء حية وقوية منتظرة للمتغيرات القادمة.

خامسا) تضارب المصالح الروسية والأمريكية بالنسبة لمستقبل أكراد سوريا، فروسيا الاتحادية قد تتقبل، رغم الاعتراض السوري، حكما ذاتيا لأكراد سوريا في جزء من مناطق شمال سوريا، حيث تتواجد الدولة الإسلامية، خلافا للموقف الأمريكي الذي تدل العديد من المؤشرات على أنها تسعى لتحقيق دولة مستقلة تتحالف أو تندمج مع كردستان العراق المزمعة على إعلان استقلالها قريبا. وفي هذا ما فيه أيضا من تعارض مع الاستراتيجية التركية الرافضة سواء للحكم الذاتي، أو للدولة الكردية المستقلة، إضافة لنقضها الاتفاق مع بوتين الذي صمت عن تدخلها في الشمال السوري، مقابل إقناعها لحلفائها في حلب بالانسحاب من شرق حلب، لكنها لم تفعل، علما أن حلفاءها هناك كثر، ومنهم الكتائب التركمانية، وجيش سوريا الحر، إلى كتائب نور الدين زنكي والجبهة الشامية، إضافة إلى جنود أتراك بملابس مدنية يقاتلون إلى جانب المعارضة المسلحة.

وهكذا صدق وزير الدفاع الأمريكي مع الجميع عندما حذر من تعذر استئصال أفكارهم. كل ما في الأمر أنه لم يطرح وجوب التعامل مع الفكر السلفي التكفيري بفكر مقابل كما يقول عقلاء القوم ومنهم بعض الأمريكيين كما لاحظنا. فهل من مستمع لهم؟؟؟