في ذكرى رحيل كوكب الشرق.. قصة أسطورة غنائية جمعت موسيقار الأجيال بالست في «لقاء السحاب»

«أنت عمري» لم تكن مكتوبة في الأصل لأم كلثوم
شخصية سيادية تدخلت لتعاون الموسيقار والست
مسرح «قصر النيل» شهد أسطورة غنائية لا تمحى
عبد الوهاب يبكي بعد غناء أم كلثوم للحن

«أم كلثوم» كوكب الشرق الذي سطع فوق الحياة، وسيدة الغناء العربي التي حكمت القلوب التي سمعت صوتها، أم كلثوم الفلاحة القوية التي حطمت كل القيود وصعدت للسماء متلألة ، متوهجة.

وكان محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، قطبي الغناء في مصر في تلك الفترة، وكان لكل منهما قاعدة شعبية جارفة، لذا أصبح كل منهما خطًا أحمر، لم يجرؤ أحد على اجتيازه.

ومع حلول ذكرى رحيل كوكب الشرق الـ 42، نرصد من خلال التقرير التالي أهم حدث في مسيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهو اللقاء الذي جمع بينها وبين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والذي أطلق عليه الصحفي والكاتب الساخر جليل البندراي (لقاء السحاب).

يقول الصحفي مصطفي الضمراني في أحد مقالاته الصحفية: "ما لا يعرفه الكثيرون أن أغنية (أنت عمري)، لم تكن مكتوبة في الأصل لأم كلثوم، ولم يخطر ببال عبد الوهاب أن تكلفه كوكب الشرق بتلحين أغنية لها، فهي مكتفية برياض السنباطي، الذي يجهز لها أغنية افتتاح موسمها الغنائي، فهو أستاذها التي تربت علي يديه وحفظت ألحانه وعاشت معه سنوات طويلة.

وكانت أغنية "أنت عمري" لعبد الوهاب كتبها له الشاعر أحمد شفيق كامل ليقوم بغنائها بنفسه مثل كل أغنياته التي تغني بها لكبار الشعراء، وهنا يقول الكاتب شفيق كامل (عندما انتهيت من كتابتها ذهبت إلى عبد الوهاب بمنزله بالزمالك، فسمع الكلمات التي أعجبته كثيرا، وأمسك العود، وبدأ في تلحين لحن مذهب الأغنية، وأنا جالس أمامه.

وأضاف شفيق كامل لم أترك عبد الوهاب، إلا بعد أن وضع اللمسات الأولى لمذهب الأغنية، واتفقنا على أن يكمل اللحن، ويسجل الأغنية لشركة صوت الفن التي يملكها.

واتفق عبد الوهاب مع مستشاره القانوني مجدي العمروسي على ذلك، وطلب منه عدم الحديث بشأنها لأي جهة إعلامية، لأنه كان شديد التكتم على كل أعماله الفنية، ثم انتهي عبد الوهاب من لحن الأغنية كاملا، وطلب من شفيق كامل الحضور لسماع لحنها النهائي، وعندما أعجب شفيق كامل باللحن طلب إعطاءه نسخة من التسجيل كي يحتفظ به.

شاءت الظروف أن يتدخل أحد من الشخصيات السيادية، ويطلب من أم كلثوم وعبد الوهاب ضرورة التعاون معا، الأمر الذي جعلها ترضخ لهذه الرغبات الكثيرة؛ ما جعلها تتصل بعبد الوهاب، وتطلب منه اختيار أغنية لتغنيها في موسمها الجديد، وألحت عليه إلا يتحدث مع أحد بشأن هذا المطلب.

ويستطرد الضمراني "طلب عبد الوهاب من أم كلثوم أن تعطيه مهلة شهرا، للبحث عن الكلمات، وجلس مع شفيق كامل لبحث الأمر، وجاءت فكرة عبد الوهاب، وهي أنه لن يجد عملا غنائيا ينافس به السنباطي سوى أغنية (أنت عمري) للكاتب أحمد شفيق كامل ورحب شفيق بالفكرة، واستقروا على رأيهما، وخاصة أن أحدا لم يعلم بأنها كانت في الأساس لعبد الوهاب.

واقترح العروسي أن يعلن عن قيامه بوضع لحن جديد لأم كلثوم في الصحف المصرية والعربية، وبلغ الخبر الكاتب جليل البنداري الذي نشر خبر لقاء أم كلثوم بعبد الوهاب، وأطلق عليه (لقاء السحاب)، وامتلات الصحف والمجلات بهذا الخبر، وبعد شهر ونصف استمعت أم كلثوم للكلمات، وطلبت من رئيس فرقتها آنذاك محمد عبده صالح إجراء البروفات في استديو "مصرفون" بالعتبة، وجاء موعد الحفل وعاش عبد الوهاب في حالة خوف ورعب من دخول هذه المعركة.

وفي سينما قصر النيل، حيث لا مكان لقدم من كثرة الجمهور، جلست أم كلثوم خلف الستار لتجد عبد الوهاب يرتعش ويمسك بالمصحف ويقرأ آيات من القرآن الكريم، طالبًا من الله النجاح، وصعدت "الست" بكامل بهائها وهيبتها الفنية، تمسك بمنديلها وتبدأ الغناء تشدو "رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا.. علموني أندم على الماضي وجراحه.."

وانبهر الجمهور وطلبوا إعادة المقطع لأكثر من مرة، حتى انتهت الأغنية في الثانية صباحا، وخرج الجمهور ليحيط بسيارتها، أما عبد الوهاب فظل يبكي من شدة الفرح من هذا النجاح الكبير لأغنية أم كلثوم، والتي لم يعلم أحد أنها كانت في الأساس لعبد الوهاب،

وحققت الأغنية أكبر نسبة مبيعات في تاريخ أم كلثوم، بل تحولت إلى أيقونة موسيقية لا يمحوها الزمن.