قاعدة

أقطع بأنه لن نري نصبا للثورة أو الثوار في ميدان التحرير علي الأقل لمدة قرن من الزمان، لماذا قرن من الزمان؟ لست أدري، ولكن فكرة نصب في التحرير تحتاج الي التأمل، منذ عبوري ميدان التحرير طفلا بصحبة الوالد رحمه الله والقاعدة تشكل احد ملامح الميدان، قاعدة بدون تمثال، شيدت في الاربعينات قبل الثورة لتكون مرتكزا لتمثال الخديو اسماعيل، الميدان من نتاج تخطيطه للقاهرة الحديثة، كان اسمه منسوبا اليه "الاسماعيلية" وكانت ثكنات الجيش الانجليزي في موقع الهيلتون والجامعة العربية ومبني الاتحاد الاشتراكي، أزيلت مع معاهدة 1936.
وظلت القاعدة بدون تمثال، ربما فكر فؤاد ثم ابنه فاروق في وضع تمثال لكل منهما، الحاكم ينسي أباه عند تمكنه من السلطة، بعد الثورة اختفت تماما فكرة تمثال للخديو اسماعيل، وظلت القاعدة شاغرة الي ان توفي جمال عبدالناصر، فاعلن توفيق الحكيم اقتراحا يكتسب به الشعب لإقامة تمثال لناصر.
ثم عاد اليه وعيه فصمت وبدأ السادات حملته الضارية الخبيثة لمحو كل ما يمثله عبدالناصر، وبقيت القاعدة خالية، لم يعرب السادات عن رغبته في اعتلاء تمثاله للقاعدة ولكن الفكرة كانت ماثلة، عادة لا يحبذ الحكام اقامة تماثيل لهم خشية الرحيل النهائي لكن الرغبة تظل ماثلة، اختفي السادات فجأة وظلت القاعدة خالية لعدة سنوات، ويبدو ان مبارك ظن انه باق ابدا، او ان فكرة التمثال لم تكن تعني شيئا له، فما كان يهمه اللحظة الانية، تمت ازالة القاعدة نهائيا ومنذ سنوات علمت انها ملقاة في قلعة الجبل، وربما يكون الدمار لحق بها.
مرت السنوات واصبح التحرير رمزا عالميا للثورة واستشهد فيه المصريون البسطاء الذين كانوا وقود الثورة، ويبدو ان اكثر من طرف ساهم في القتل، وعلت الصيحات لاقامة نصب يمجد الشهداء، هذا مستحيل في ظل حكم الاخوان الذي انتهت اليه الثورة المنتكسة بهم، فهم لا صلة لهم بجوهرها، انهم قادمون من عتمة التاريخ، ودورهم في الميدان تحيطه علامات الاستفهام، ويبدو أن قدر الميدان البقاء بدون نصب او شاهد للذكري الي ان يصحح الشعب ما ارتكبه من خطأ ويجيء فعلا من يمثله، عندئذ ربما تعود القاعدة وفوقها رمز، وربما يقام نصب حقيقي، اما ما يجري الان فعملية سطحية لها صلة بأمن الحكم الحالي ولا صلة علي الاطلاق بالجماليات.
نقلا عن الاخبار