الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وداعا.. الصحف القومية


يتصور البعض خطأ أننا حينما نتعرض للصحف المملوكة للدولة، أو كما يحلو للبعض تسميتها بالصحف القومية، بالنقد وتحليل الأداء، ووضع رؤية مستقبلية لها، أننا فى خصومة مع الزملاء الذين يعملون بها، وأن انتقادنا للأداء بتلك الصحف يرجع، كما تعتقد بعض العقول الفارغة، أننا، كصحفيين ننتمى إلى الصحافة الخاصة، سواء أكانت حزبية أو حتى مملوكة لرأس المال الخاص، وعلى غير الحقيقة، نكن حقدا على زملائنا الذين يعملون بالصحف القومية.

والحقيقة أن هذا التصور ينم عن قصور فى المعلومات لدى البعض الذين يؤمنون بتلك النظرة، لأننا نستند فى نقدنا إلى عوامل كثيرة، ليس من بينها على الإطلاق أى عوامل شخصية، فالصحفيون فى الصحف الخاصة عموما، لا ينكر مهنيتهم ولا ثقتهم بأنفسهم، إلا الذين غطت عيونهم غشاوة، جعلتهم غير قادرين على تميزهم، والاعتراف بفضلهم على الصحافة المصرية والعربية على حد سواء.

لسنا هنا فى مجال سجال، ولكن الشاهد فى الأمر أن الصحافة القومية بالفعل فى طريقها إلى الزوال، واستندنا فى ذلك إلى أرقام وواقع لم ينكره حتى المسئولون عن تلك الصحف القومية، سواء فيما يتعلق بالديون المتراكمة عليها، أو فى نقص الموارد المالية، الذى وصل إلى حد تهديد بعض تلك المؤسسات بعدم صرف رواتب العاملين بها، أو بمطالب تلك المؤسسات المستمرة بدعم حكومى متواصل يصل إلى مليارات الجنيهات.

وحتى يفهم الذين جندوا أنفسهم للدفاع عن الصحف القومية، وكأنها فى حرب مع من ينتقد أوضاعها ويتحسر عليها، فإن الصحف المملوكة للدولة حصلت على 3 مليارات جنيه خلال العامين الماضيين، كان آخرها دفعة بقيمة مليار و200 مليون لإقالة تلك المؤسسات من عثرتها.

وقلنا إن الصحف القومية تعانى أزمات حقيقية جعلتها عبئا على الدولة، وقد سبق وأن طالبنا فى مقالات سابقة بضرورة التفكير فى إنقاذ تلك المؤسسات، ومعها "ماسبيرو" الذى يمثل عبئا إضافيا على الدولة التى تسعى من خلاله، وخلال الصحف القومية أن تشكل جهازا إعلاميا لها، غير أنها فشلت فى ذلك لأسباب كثيرة لا يتسع المكان لسردها.

ومع زيادة المشاكل طرحنا حلولا وإن لم تكن تقليدية أو مستساغة لدى البعض، منها خصخصة "ماسبيرو" وإعادة هيكلة الصحف القومية، وذلك على اعتبار أنها مؤسسات يتم تمويلها من المال العام، الذى هو حق أصيل لكل المواطنين، ومن حقهم أن يطالبوا بمساءلة المتسببين فى إهداره، ومن ثم وضع حلول للحفاظ عليه.

لم تكن تلك رؤيتنا فقط، وإنما هى رؤية كثيرين من أصحاب الشأن، وقد ظهر ذلك فى مطالب بتحويل الإصدارات القومية الخاسرة إلى مواقع إلكترونية، وهو المطلب الذى دعا إليه الكاتب الصحفى الكبير والقامة النقابية المعروفة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذى قدم مقترحا بتحويل كل الإصدارات الخاسرة إلى مواقع إلكترونية، وهو ما يعنى فى تقديرى الشخصى، أن الصحف القومية كلها إلى زوال، ولن يبقى منها أى إصدار، وذلك على اعتبار أنها إصدارات خاسرة، لم تعد قادرة حتى على تغطية التكاليف المادية لطباعتها، لعوامل كثيرة منها نقص الموارد الإعلانية سواء فى شكل مواد تحريرية مدفوعة الأجر، أو إعلانات مباشرة، والتى كان يتم تمويلها من بنود خاصة لدى وزارات وأجهزة الدولة، فى فترات حكم سابقة، وصلت فى بعض التقديرات إلى 30 بالمئة من ميزانيتها السنوية، غير أن ذلك توقف بعد أحداث يناير 2011، بجانب عوامل أخرى أدت إلى تراجع حصيلة الإعلانات.

وكما هو معروف إن لم تكن المؤسسة تغطى على الأقل 70 بالمئة من تكاليفها من حصيلة الإعلانات فهى خاسرة، وعلى هذا القياس تكون جميع الصحف القومية خاسرة، وبالتالى نقول لها وداعا، وذلك من باب العامل الاقتصادى المهم وهو تحليل التكلفة / العائد وهو مبدأ أصيل لا يمكن تجاهله فى دراسات الجدوى الاقتصادية.

وبجانب ما سبق فإن العوامل الاقتصادية الداخلية والخارجية والتى تتعلق بأسعار الدولار الأمريكى، وما ترتب عليه من ارتفاع تكاليف الطباعة، ومدخلات الإنتاج الصحفى عموما، أدت إلى أزمات مالية طاحنة.

هذا من الجانب الاقتصادى، أما الجانب المهنى، فقد تراجع الأداء فى المؤسسات القومية، شأنها شأن الصحف الخاصة، وذلك لعوامل كثيرة تعود فى أغلبها إلى الضعف فى الأداء المهنى عموما، وبعض الأسباب وراء ذلك يمكن أن نتعرض لها فى مقالة أخرى.

الصحف القومية إذن خاسرة، من جوانب كثيرة، لتبقى قضية محاولات إنقاذها، وإقالتها من عثرتها هى الشغل الشاغل لكل المهتمين بالقضايا الوطنية وشئون المهنة.. والحديث فى هذا الشأن متواصل فى مقالات أخرى بإذن الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط