الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التوائم الملتصقة.. أنواعها وعدد الأرواح فيها


التوائم الملتصقة نوع من التشوهات الخلقية معروف منذ القدم، ويقول العلماء إنه في ازدياد.. نصف الحالات يولد ميتا، ويكثر في الإناث عن الذكور بنسبة 2:3، وهي مشكلة تواجه أولياء الأمور والأطباء، لكنها من جهة أخرى ساهمت في تطوير فنون الجراحة، وكشف معلومات جديدة عن الروح.

علميا، تبدأ المشكلة منذ الأيام الأولى من عمر الجنين، وفي بحث أجريناه ونشر عام 2000، توصلنا لثلاثة أسباب لالتصاق التوائم، أولها وهو الشائع، انقسام خاطىء لبويضة مخصبة واحدة وهنا يكون التوأم من جنس واحد، ويتفاوت عمق الالتصاق من حالة إلى أخرى بدءا من الجلد وعمقا إلى الأعضاء كافة.. والسبب الثاني التصاق بويضتان مخصبتان مختلفتان وهو نادر جدا، ومنه حاليا ولد وبنت ملتصقان في اليونان.. وثبت أيضا في علم الأجنة أن الجنين ينمو من طبقته الوسطى منطلقا باتجاه الرأس والجانبين كالشجرة من نقطة عند العصعص تسمى "عجب الذنب" بقيادة محور يسمى الحبل الظهري، وهو أساس الجذع والرأس، وبسبب خلل جيني قد يتفرع ويتبعه تفرع للجنين، وتأكد عام 2008 سبب رابع نتيجة اختلاط جنين بآخر، يسمى الكيميرا (chimera)، يبدو فيه الشخص طبيعيا ظاهريا لكن في جسمه أنسجة شخصين، وهذا نوع معقد ويحتاج إلى مقال منفرد.. على كل حال، سنعرض بعض أمثلة للتوائم الملتصقة وكيف شقت طريقها في الحياة:

1. إذا كان الرأس واحدا، والأعضاء الأخرى كثيرة كالفتاة الهندية التي كانت بأربعة أذرع وأربعة أرجل وأمكن "تهذيبها" واختصارها إلى شخص واحد، وبالتأكيد كانت لها روح واحدة والزوائد لا تهم.

2. لو تفرع التوأم فوق الحوض أي على نصف واحد من أسفل، فيستحيل فصلهما دون التضحية بإحدهما لأن ما يملكانه لا يقبل القسمة، وتوجد حالات من هذا النوع حاليا لسيدات في دول كثيرة. اللافت هنا إن لكل منهما روح وعاطفة وعقل مختلفين لكن لهما جهاز تناسلي واحد، لا نعرف لأي منهما يتبع، ناهيك عن مشاكل الهوية والميراث وغيرها، وما إذا كان من سيتزوج منهما سيجمع بين أختين. سألت أحد الفقهاء فأجاب بأنهما تعتبران زوجة واحدة لأن النكاح يكون على الفرج، أما الميراث فعلى الفم والمعدة ولكل واحدة ميراثها الخاص.. وتزداد المسألة تعقيدا لو حدث التفرع عند العنق بوجود فمين ومعدة واحدة!..

3. الاحتمال الثالث التصاق شخصين شبه كاملين، كالرجلين السياميين المشهورين اللذين عاشا 63 عاما، تزوجا من شقيقتين وجعلا لكل واحدة بيتا وكانا يمضيان ثلاثة أيام في كل بيت. أنجب أحدهما 11 طفلا والثاني 10 أطفال، وكانا يتشاجران كثيرا حتى أن أحدهما أوصل مشكلته مع الآخر إلى المحكمة، وهما بروحين مختلفتين دون شك، ومع متاعبهما في النوم والحركة وقضاء الحاجة، فإن مشكلة أخرى أخلاقية تقابلهما وهي الاطلاع على العورات، مما يجعل من فصلهما مسألة دينية وإنسانية واجبة.. ولما انتهى الأجل، مات أحدهما أثناء النوم وعندما استيقظ الآخر ورأى شقيقه الذي التصق به أكثر من 60 سنة قد مات، صعق ولحق به في الحال.

عموما، قرار الفصل الجراحي للتوائم الملتصقة يعتمد على مدى قسمة الأعضاء بينهما بما يسد حاجة كل طرف، وحين تتعذر الأمور يكون الخيار إما تركهما على حالهما أو التضحية بأحدهما، ومنذ سنوات حزن العالم على وفاة فتاتين إيرانيتين متصلتين عند الرأس، كانتا سعيدتين و فرحتين بالانفصال قبل دخول غرفة العمليات، إلا أن الطبيب الذي تولى أمر فصلهما أخطأ في حساباته وأعادهما جثتين هامدتين..

ولتحديد عدد الأرواح في التوائم الملتصقة نعود إلى رأي مهم للفقيه ابن القيم، فقد طرح في كتابه "الروح" (صفحة 284) ثلاثة احتمالات لعلاقة الروح بالجسد قائلا أنها "إما لابسة لجميعه من خارج كالثوب أو في موضع واحد كالقلب أو الدماغ أو سارية في كل الجسم".. ومع تطور الطب الحديث وعمليات البتر جراء الحوادث والأورام ونقل القلب والأعضاء وفصل التوائم الملتصقة، ثبت أن الاحتمال الثاني هو الأصح، أي أن الروح تعمل من الرأس.. أي لو كان للتوأم الملتصق رأسان كان فيه روحان، ولو كان برأس واحدة فهو بروح واحدة.

الأختان البريطانيتان إيمي وبريتني عبارة عن رأسين على جسم واحد، ولكل رأس تفكيره ومزاجه الخاص وأحيانا تتعاركان لأنهما بروحين وشخصيتين مختلفتين، وهذا تأكيد آخر على أن الروح تعمل من الرأس وتأييد لـ "نظرية الاستبعاد" التي وضعناها ونشرناها عام 2007 ومفادها "أن أكثر من 99 % من الجسم خدمي يمكن الاستغناء عنه أو تعويضه ويبقى الإنسان حيا، إلا جذع المخ آخر نقطة تموت في الإنسان ولا حياة بدونه وهو مركز الروح، وتشير دلائل إلى صلة الروح ببصمة الحمض النووي أيضا".. وسبحانه علم الإنسان ما لم يعلم. (من كتاب الروح والطب الحديث - لكاتب المقال - طبع وتوزيع دار المعارف).
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط