الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاحتواء


لدى بعض الناس قدرة ساحرة يستطيع المرء بها أن يغير من أمامه ويسيطر على المشاعر وينجو بالبعض أحيانًا من كوارث نفسية متعددة، قدرة سماوية لا تأتي بالتدريب إنما هي ملكة من ملكات السماء، تأتي بالفطرة لا بالتعليم، تجد البعض يستطيع أن يفعل المستحيل بكلمات بسيطة مشجعة لأحد المهزومين نفسيًا يتحول بعدها المهزوم من مريض معتزل الناس إلى شخصية فعالة مجتمعية.

انتشرت بين الأنبياء وبعض الصحابة والصديقين، استطاعوا بها أن يحققوا المعجزات ويلتف الناس من حولهم بعد طول فرقة وتشتت، إنها الاحتواء، الحضن الذي يبحث عنه الطفل كي يطمئن فلا يجده إلا في حضن أمه، ثم يبلغ وتتغير احتياجاته، لم تعد بعض قطرات من اللبن الدافئ المغذي الذي كان يسكن به وكأنه الدنيا بأكملها، تحولت الرغبات إلى قدرة حسية يستطيع المرء بها أن يشعر بالسكينة والأمان.

العديد من البشر ينقصه الاحتواء فيتغير سلوكه بين معتزل ومشتت لا يستطيع أن يتفاعل مع المجتمع، وينتظر من ينجو به من هلاك الوحدة والغربة واليأس، والاحتواء في اللغة هو الاحتضان ولكن ليس المعنى المطلق للحضن إنما هو حضن من نوع آخر، حضن عاطفي تحكمه المشاعر وتسيطر عليه الانفعالات، تستطيع أن تحتوي من حولك ببعض الكلمات البسيطة والابتسام، بالسماع لهم بإعطائهم الإحساس بالألفة والأمان، والأقوى من الحب ذاته أن تحتوي الحبيب بكل ما فيه من حلو ومر، تتناغم مع انفعالاته ورغباته وتسبح بين مشاعره فإذا بك دار الأمان والملاذ الوحيد الذي لا يستطيع أن يحيا الحبيب من دونه.

كم من البيوت ينقصها الحب ولا يطرق أبوابها الاحتواء فتنهار وتنهدم، ويدفع الثمن كل من يحيا تحت أسقفها، بيوت قلوبها مشردة لا تعرف معنى الحب ولم تتمتع يومًا بلذة الاحتواء، أرواح مهزومة تنكسر من الأزمات بمنتهى السهولة واليسر تشعر باللأمان واللا سند، تشعر أنها وحيدة أينما ذهبت ينقصها الإحساس بالأمان النفسي والمجتمعي.

أكثر ما يشعرك بالأمان مهما غدر بك الزمان وطالت مأساتك هو الاحتواء، وقد يحتويك المولى عز وجل فتقترب منه وترى بنوره وتكون عبدًا ربانيًا يمشي بطريق مرسوم ومؤمن ويصبح المرء من احتواء الله له ممن هم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو أفضل احتواء على وجه الأرض، تحيا حينها في سلام نفسي تام وتتحمل الصعاب وتتعلم الصبر وتمتلئ بالرضا.

والاحتواء يجذب المرء للحياة مهما جارت عليه الأيام واسود الطريق أمام عينيه، يكفي المرء شعوره أن هناك من يحبه ويفرح لفرحه ويحزن لحزنه يسمعه حينما تبتعد عنه النفوس ويخرج معه ما بداخله من طاقة كلامية مهما كانت الكلمات مؤلمة أو سعيدة، ويعتبر من أهم متطلبات التعامل بين الناس بعضها البعض.

إذا احتوي كل منا الآخر ينعم المجتمع بالسلام النفسي والسكينة وتقل معه معدلات الزيادة في الأمراض النفسية والرغبة في الانتحار ومعدلات الجريمة التي تعد من أخطر مشاكل المجتمع، فالشخص السليم نفسيًا والذي ينعم بالسلام الداخلي يكون بعيدًا عن السلوك الإجرامي المتطرف ويتعامل بشكل معتدل مهما زادت عليه الأزمات يتلقاها بكل صلابة وصمود.

ابحث عمن يحتويك بكل دقة حتى تنعم بلذة السلام النفسي ولا تنسى أن تقترب من الخالق العظيم وتنعم باحتوائه لك، ولا تيأس مهما مر عليك من هموم وعكوسات، فالحياة تجربة مثيرة تحمل الحلو بمذاق مرير وتحمل المر يتبعه مع الصبر الفرج، اللهم يسر لنا كل عسير وثبت قلوبنا واجعلنا من عبادك الصالحين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط