الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لو بطلنا نحب نموت


جمعتها ظروفها بالالتقاء به وبهم مجموعة من الخارجين من علاقات فاشلة كادت أن تجعلهم يتخلصون من الحياة، وانضمت إلى هذا الجمع المعروف باسم كورس راغبى الحياة لأنها كانت تخاف الموت، وتخاف أكثر من القبر، وأن يحتويها فيه بكل مافيه من وحشة وخوف.

كانت تنتفض لمجرد تخيل نفسها فى القبر، ولهذا عندما منيت حياتها الزوجية بالفشل بسبب عزوف زوجها عنها وعن استكمال حياته معها لألف سبب وسبب من اختلاقه وافتعاله لكى يمحى السبب الحقيقي الكامن فى رغبته بالتخلص منها وبكل ماتعنيه له من ماض يحمل معانى ممزوجة بالفقر والعوز، وعليه فقد أجبرت جبرا على تقبل ما فرضه عليها، وارتضت أن تكون خانة فى الحياة، بعد أن كانت كل الحياة بالنسبة لما توهمته حبا وحبيبا.

فى بداية مرحلتها الجديدة توقف الزمن عندها وأصبحت حزينة كئيبة مكتئبة، لا تفعل شيئا سوى العيش فى الماضى وإعادة الذكرى والذكريات، وأيضا محاولتها إعادة حبيبها إليها، والتى تقابل برفض وتعال واشمئزاز منه، جعلها تفكر فى التخلص من حياتها، ولكن خوفها من الموت ومن القبر أجبرها على التراجع، ونصحتها صديقتها بالانضمام إلى مجموعة الاستشفاء، وذهبت إليهم.

وفى بادىء الأمر لم تملك القدرة على مصارحتهم بتجربتها، لأنها تخوفت من أن يصفوها كما يصفها أقرب الناس إليها بأنها بلا كرامة لأنها تصر على استرضاء من لا يريدها، والاقتراب ممن فضل البعد عنها والعيش بدونها، اختلقت قصة ليست لها وحكت عن مآس لم تعشها، ولكنها كانت تتطلع للاستشفاء ومعاودة التنفس بلاقيود.

فى كل جلسة تتلاقى عينه بعينيه ولا تدرى سر ارتباطها الروحى بهذا الشخص الحزين وتستمع إلى ما قاله عن نفسه بأنه بلا هدف وبلا رغبة فى أى شىء بعد وفاة ابنه البكر فجأة وبدون مقدمات وعتمة الحياة بعده وإقدامه على فعل كل المحرمات لإقناع نفسه بأن حب الحياة لا يزال يناديه.

جلسة تتلوها جلسة تجد نفسها تحكي قصتها ومعاناتها وخوفها من الموت الذى يجعلها تريد أن تبحث عن مخرج من الحزن يبعدها عن الموت وحيدة صغيرة، وحينها يقول لها الرجل الحزين.. الموت سيأتى لا محالة.. فتقاطعه وتقول أعلم ذلك ولكني لم أفعل ما يؤهلني لمقابلة الله، وأن ينتظرنى قبرى مضيئا أريد المزيد من الوقت.

وتستكمل وتقول وأنا لم أعش فقد قضيت عمرى للآخرين أرضيهم وأصبر عليهم وأرضى بسلبياتهم أملا في أن يقدروا لي ذلك، إلا أنهم كانوا أسوأ وعاقبونى بالتملص بدلا من مكافأتي بالاعتراف والامتنان، أنا لم أعش ولا أريد الموت، قبل أن أذق طعم الحياة الحلو الذي لم أعرفه حتى الآن.

وتصمت ولايعقب على كلامها أي من الحضور، إلا أنها ترى فى عينيه معانى يعجز عن وصفها كل الكلام، وبمضي الأيام والشهور والاقتراب من عام تجد نفسها تحبه، ولكنها تخشى من تكرار تجربتها الفاشلة مع من وصفته بالغادر، خوفها هذا جعلها لا تكمل جلسات العلاج وتغلق على نفسها كل منافذ الحياة، وتجد أن فكرة الموت لم تكن بهذا القدر من الخوف، وبأن القبر لن يكون بالعتمة التي تتوهمها، وبأن الروح ستصعد في السماء وما سيبقى فى القبر هو الجسد الذى سيعود إلى طبيعته الأولى.

وعليه فلابد ألا تخاف من القبر، ولا الموت، وأن تستكمل حياتها حتى تأتي لحظة تركها لدنياها واستقبال أخراها، وهى فى هذا الزخم يطرق بابها من أسمته بالحزين ليصارحها بما يكنه قلبه من حب لها، وبأنها أعادت إليه الحياة التي كان قد زهد فيها وتقف أمامه وتحجبه عنها صورة ماضيها وتحربتها ولا تدري أن تزيح هذه الصورة أم تظل على عهدها وتعهدها لقلبها بألا تزعجه بالغادرين الجناة ؟!!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط