قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

وانقطعت أنفاس أمي


مقال هذا الأسبوع مقال مختلف تعودتم منى التفاؤل والطاقة الإيجابية وأنتم تتنقلون بين مفردات مقالى لكن تحمّلونى فى هذا المقال لأن به آنين وآلم ووجع من نوع خاص به من آلام الفراق ما يمزق الأضلع وما يئن له الفؤاد وبه من الحزن ما يكفى لأن تسيل الدموع دون توقف ودون أن تتحرك له مقلة العين.

جثمان أمى
ركبت مع أمى عربة الموتى وكانت أختى وخالتى معى وحاولت أن أكون كسابق عهدى سند أختى وظهرها فى هذه اللحظات العصيبة وفجأة خالتى تفتح كفن أمى ورأيتها كالقمر وودعتها وأسقطت دموعى على كفنها وكنت متأكدة أنها تشعر بنا وتودعنا مُبتسمة ابتسامة خفيفة وهى كالعروس فى كفنها وكان هذا آخر عهدى بأمى.. لم أشعر بنفسى إلا وجسدى ينتفض وصوتى يشحب ووسط صدرى يطبق على أنفاسى ولم أعي ما قولته ذكّرتنى به أختى بعد ذلك لكن بالفعل كنت أشعر كأنى أنفصل عن العالم وفجأة شريط ذكريات أمى وكأنه كما نسميه "سف" الأحداث والمواقف وكل اللحظات تفوت بسرعة رهيبة وعينى لا ترى غير ضوء أبيض يستقبل دموعى وها هى أمى جسد لا يتحرك أمامى والبروده تملأ وجهها.

لا أدرى كم مكثنا فى هذه اللحظات التعيسة ولكن لا أتذكر منها غير آلام صدرى وخنقة أنفاسى وهى تخرج من رقبتى وكأنها تعصرنى.

فجأة فتح باب العربة وأخذوا أمى من بيننا وشعرت باليتم لثانى مرة، المرة الأولى وأنا ابنة ١٦ سنة عند موت أبى واليوم عند أخذهم لأمى أحسست بأننى مكسورة بأن الظهر والسند والعزوة ذهبت وتأكدت أن بالفعل انقطعت أنفاس أمى من الحياة.

فأمى هى صاحبة الكلمة المسموعة وهى صاحبة قوة وصاحبة حزم عند عائلتها وأصدقائها.. نظرت لكل ذلك ووجدتنى بلا أمى فمن هؤلاء الذين يأخذونها هذه أمنا نحن فدخلت ورائهم مسرعة لأجدهم وضعوها فى القبر فزاحمتهم ووقفت وهم يرصون الطوب رصًا ثم يغلفونه بالأسمنت وهم مشغلون بكتابة اسمها على الأسمنت، اعتصر قلبى وقلت لأمى فى صمت الآن ما عاد منكى غير إسمك على هذا القبر بماذا تشعرين الآن هل تشعرين بالبرد مثلنا.
هل بغلقهم قبرك مباشرة نزل عليكى "منكر ونكير" وسألوكى وسرحت فى ظلام قبر أمى وانهمرت بالبكاء وركزت على الدعاء وقراءة القرآن لها وكنت آخر من خرج من قبرها.

زيارة قبر أمى
وجاء أول خميس وكعادتهم فى البلد يهتمون بأول خميس وتانى وثالث خميس والأربعين، وعند زيارتى لقبر أمى كنت صامتة لا أرى من الحاضرين غير وجه خالتى هناء وخالتى عزة أمام باب القبر جلست على جنب بعد السلام على أمى وجدتى الحبيبة وأمواتنا فى القبور المجاورة أقرأ القرآن فى سرى وأدعو لهم وتوهت عنهم جميعًا فقد سافرت لأيام بعيدة ومواقف محددة لا يتذكرها غيرى، لسانى يقرأ لهم وعقلى فى دنيا غير الدنيا، وفجأة حضرت إلى عالم الواقع الأليم ومشى الجميع وكلما فات الوقت يحدثوننى عن الذهاب لا يدركون أن قلبى يتحدث مع جدتى وأمى فأنا لا أشعر بكم.

لم أحدث أحداً عمّا دار بداخلى كنت صامتة حزينة لا أريد أن أتكلم مع أحد نهائياً حتى أختى.
خرجت من المقابر بعد الكل وبعد أن أجبرونى عن الخروج ولكن لحديثنا بقية يا أمى ولإحساسى بكى يا جدتى بقية فأنت معى دائمًا أبداً.

أكتب اليوم من بيتى بعد رجوعى من البلد فى غرفتى ومن مكان جلوس أمى حيث الهدوء القاتل والصمت المريح لنفسيتى تاركة ورائى كيد النساء "وقلنا وقال" ولهو الدنيا ومنافسة الزملاء وصراع السوشيال ميديا ومهاترات الجميع لأعود مرة أخرى إلى صفاء نفسى وتهذيب نفسى وطاعة نفسى لى وتجديد عهدى بى ولأذكر نفسى بأن مصيرى كأمى وجدتى إلى الفناء.

وكالعادة أكرر أعظم جملة أحبها "الحمدلله إن ربنا هو ربنا" لأنه رب قلوب وليس رب مظاهر.

كنت اتخذت لنفسى فلسفة وسأعود لها مرة ثانية سأبتعد عن أى صراعات بين البشر فما لى مآرب من أى طمع من أطماع الإنسان.

ولن أشتت طاقاتى فسأعود لصومعتى مرة اخرى وأنتقى البشر الذين يشبهوننى فى التربية وفى رقى الأخلاق وفى الفكر كى لا نختلف فى أمور بسيطة تغير علينا صفو الحياة ، فحياتنا تمر كالبرق يخطف البصر ولا يعلم به، إبنوا أنفسكم من الداخل فبناؤها أهم من شيل القشة التى فى عيون الآخرين.

الله يرحم أمى وجدتى وأبى وأمواتنا جميعًا.. ونقطة والحياة مستمرة.