قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

رحلة للموت


بحكم وظيفتي أقدم خدمات لمن أعرفه أو لا أعرفه ، كونه فشل في الحصول على الخدمة لعدم معرفته بعلية القوم في المصلحة ، أو أن البيروقراطية الشديدة حالت دون إنجازها ، لذلك أتردد كثيرا علي العديد من المصالح الحكومية والمستشفيات بما فيها دواوين الوزارات.

فبمجرد اجتياز الباب الرئيسي تفاجأ بموقف انتظار يحتوي علي طابور للإناث وآخر للرجال ، الكل واقف متأفف منتظر وصوله ، يتبادل الجميع الأحاديث الجانبية سواء لمشكلات عامة أو خاصة لقتل فترة الانتظار، وبمجرد أن يفتح أبوابه ترتسم الابتسامة علي وجه الجميع ، يتحكم فيه عامل لا يفهم في تكنولوجيا تشغيله سوى أزرار الصعود والهبوط ، أما علاقته بالأعطال والطوارئ فتشبه علاقة السباك بعلم تشريح الضفادع والحيوانات الزاحفة المقرر على طلاب طب بيطري.

وبمجرد أن تنغمس قدمك وجسدك داخل ذلك الدولاب المتحرك الذي كان مادة إعلامية طوال اليومين الماضيين، بعد سقوطه في مستشفي بنها مخلفا شهداء ومصابين ، يدور ببالك حتي تصل إلي طابقك سالما آمنا سؤال ماذا لو وقع بي الأسانسير؟ وأنت في ذات لحظة هاجس السقوط تبحث عينك عن "قشة" ما تتعلق فيها إذا حدث ما يدور في البال ، ليطمئن قلبك إذا وجدت ماسورة في جانبي الأسانسير"فتقول حلو هتشعلق فيها لو وقع"!

في أسانسير الحكومة : أبوابه تصدر صوت أنين أو نقنقة كصوت الضفدع عند الفتح والغلق لعدم الصيانة الدورية، أسلاك «الواير» الموجودة به لحمله لأعلى أو سحبه لأسفل تصدر فحيحا كصوت الثعبان ، كون صيانتها تتم على الورق فقط ووهمية ، شفاط التهوية إما معطل أو غير موجود أو صوته الخشن بسبب الأتربة المتلاصقة عليه يجعلك تُفضل عدم التهوية وكتم الأنفاس خوفا علي طبلة أذنيك ، جدرانه وأرضيته وقد كستها " الوساخة "، الملصقات الإعلانية تغطي جوانبه الإستانلس، إعلانات لشركات توظيف ومعامل وعيادات طبية وأدعية وتعازي ووفيات وعقد قران أو خطوبة، أو دعوات طهارة ولا مانع من إعلان عن سوبر ماركت ، فتحول لما يشبه إعلانات الطرق " أوت دور "، ، بينما للمرأة حدوتة أخري كونها موجودة لغرض جمالي وتزويد الإضاءة إلا أنها تحولت إلي كوافير وصالون حلاقة لتصفيف الشعر ووضع المكياج ومستحضرات التجميل .

في مستشفي حكومي ما، كنت في زيارة لمريض،قام المنتظرون لوصول الأسانسير في الدور الأرضي بالرغم من تسجيلهم علي الأزرار الخارجية لهبوطه، بطرق أبوابه في مشهد يشبه طرق قوات الأمن باب منزل خلية إرهابية، بينما المنتظرون في الطابق الأعلي ينادون علي عامل الأسانسير قائلين " اقف يا عم في التاني " ، ركب المنتظرون بحمولة زائدة دون تحذير من العامل المسئول فتحول إلي علبة سردين فيها لحم البشر معجون ومُفتت! ولولا العناية الإلهية ما خرجنا منه !

مصر هي البلد الوحيد تقريبا التي تُعيّن عاملا يقود الأسانسير في هيئاتها ومؤسساتها الحكومية ، يتحكم في طابور الدخول دون منازع ، دائما ما يكون له كرسي في أقصي "كورنر" المصعد يجلس عليه بينما الكل واقف ، وجهه غالبا مستاء ومُكَشَّر ، لا تسمع صوته إلا عندما يصيح " مين نازل الدور اللي جاي".

لا أعرف حتي الآن مدي صلاحية أن تكون قيادة المصاعد مهنة أم لا ؟ وإذا كانت الإجابة بنعم إذًّا لماذا التكنولوجيا ؟

في نفس البلد مصر-نفس الشعب- نلاحظ في المولات والهايبرات الكبيرة وعدد من الهيئات والمؤسسات والمستشفيات الخاصة ، الأسانسير بدون قائد ، الكل يتعامل مع التكنولوجيا بحساب ورفق ، الحمولة بمقدار ورقة التعليمات الملصقة علي أحد جوانب المصعد والتي تحدد عدد الأفراد ، الأسانسير بدون أية ملصقات ، الجوانب الإستانلس ستيل "مراية" تظهر ملامحك وهيئتك وكأنها من أنقي الخامات الزجاجية ، الرحلة تصل إلي منتهاها بهدوء دون طرق أبواب أو زعيق أو توتر !

إذًّا المشكلة ليست في قائد الأسانسير ولا المنتظرين – وإن تحملوا جزءا - إنما في الهيئات التي تدير المرفق.

وللحديث بقية...