الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وصفولي الصبر


"ما زرع الله في قلبكِ رغبةِ الوصول لأمر مُعين إلا لأنه يعلم إنك ستصِلُ إليه" .. ومع تِلْك النقاط انتهت العبارة التي قرأتها صدفة على صفحات التواصل الاجتماعي، عبارة استوقفتني كثيرًا وجعلتني أسلك الدروب للبحثِ عن العبقري الذي سطرَها طويلًا، وإن كان الأمر بيدي لمنحتَهُ كُل جوائزِ نوبل التي عرفتها البشرية في السلام والفلسفة وطيبِ العلوم، وأعطيته بجدارةِ الجوائز التي أتمنى أن تستحدثها المؤسسة في منحِ المحبة والأمل ونشر السعادة.

عبارةٌ تُزرع في قلبِك فتضرِب جذور الأملِ في روحَك وثمار الرجاء في عقلِك، حتى وإن كانت خلايا المنطِق في تلافيف مخك مُغلفَة بالتشكيكِ في مدى صحة تِلْك العبِارة ومدى مطابقتهِا للواقِع، لَكِن سيبقي ذَلِك الجزءُ الذي يبقِي على إنسانيتنا وهو الحلم الممزوج ببذور الأمل، والمُعطَر بنفحات اليقين، المتلألأ في ثوبٍ حريري من الشغفِ، المرصع بالغموض، المدموغ بربي قادر على كل شيء، والتي تتجلى حكمته وعدله في "كُن فيكون"، وتتجسد قدراته بينَ الكاف والنون.

لا يوجد في مفرداتِ الله صعب أو مستحيل أو بعيد المنال، لَكِن يوجد "في حينِه"، وهذا هو مفتاح كل السرور والشرور، الذي يتطلب سلوك دربين لا ثَالِث لهما !

دَرْبُ الصابرين الشاكرين أو الكنودين العجولين، كلاهما طريقٌ وعِر وإن اختلفت نتائجهما !

فالصبرُ جهاد حقيقي، معركة نخوضها في كل وطأة قدم في ذَلِك الطريق، صراع دائم مع الخناسِ الذي يوسوسُ في صدورِ الناس جميعًا، ويهمس ويغني ويرقص في أُذِن الصابرين ليخلِط بذور الأمل بسمادِ اليأس!

الخطوة في طريق الصَّبر بطيئة، فأنت مُحاط باليقين المُكبَّل بالشكِ، وعليك أن تفصلهما وتلقي بشكوكك بعيدًا لتمضي في الطريق خفيفًا، وتتشبثُ بأن تسبح كراتُ دمِك بأن "الله قادِر".

لا تقلق طريق الصبر وإن كان طويلًا شاقًا إلا أن نفحاته الربانية ستتعجب لها وستفاجئك بين َ الفينة والأخرى وَلَكِن إياكَ وإنكار النِعم ، فالرحمن يضعُ عطاياه بينَ يديك فكيف تتجاهلها عينيك!

ما أرحمك يا ربي ، يا حبيبي ما شكرناك حق شكرِك ولا عبدناك حق عبادتك ،يا إلهي أعنّا علي إلتزامِ صراطِ الصابرين ،وأكفِنا شر شيطانك الرجيم، فبين الشاكرين والجاحدين شعرة معاوية فلا تكلنا إلي أنفسنا طرفة عين فنُذَلُ ونضِل.

أمّا الدَرْبُ الآخر ، طريقُ الشكوي والعجلة فَهُو مسلي للغاية ! لأنك مُحاط فيه طوال الوقت بشياطينِ الأرض والسماءِ علي السواءِ ، وبالإضافة إلي ميزةِ المصاحبة التي ستتمتع بها معهم ، فهم غذاء روحاني و طاقة متجددة قادرة علي شحن كل خلاياك باليأسِ والأحباطِ المضطرِد !

فالتفكير سيصلُ بك حد التكفير ، و الحبور ستستبدله بالفجور ، والفضائل ستمحوها الرذائل ، والطريق الطويل أقطعه بالعويل!

لَكَ ما شئت من اختيارات فهي حياتك ، لَكِن لتعلم مُسبقًا كيف ستنتهي الرحلة، فإذا كنت تتحري الدقة قبل ركوب القِطار أو الطائرة أو حتي أتوبيس هيئة النقل العام لرحلة لا تتعدى البضع ساعات فالأجدر بك أن تسأل عن رِحْلَةِ العمر !

الأمور محسومة والأرزاق مقسومة و النتائج معلومة، آخر سكة الصبر بُشرَٓي ، فوعد الله الحق " وبشر الصابرين " فالزرع في القلب إذًا فالحصاد أكيد ، أما الطريق الأخر فهو سكة خرج ولَن يَعُد إلا بخفي حُنين !

وَلَكِن قبل كل ذَلِك يجب أن تتأكد مِن الذي زرع في قلبك تِلْك النبتة، أهو الله أم شبه لكم ؟ لأن النتائج مختلفة !

كمن يحرِث أرض جرداء قحطاء فَلَو أسقيتها ذهبًا وفِضة ما أطلت منها رأسًا خضراء ولا صفراء، إذًا فما السبيل للتأكدِ من صِدق رغباتنا ؟

البذور الربانية هي بذور نورانية ، ستنمو بداخلك وهي تتكأ علي دعاماتِ الصَّبرِ الطويل والتسليم الجميل المحفوف بالرضا للمقادير، فإذا استشعرت الإصرار على ما في قلبَك وإن بدا بحساباتِ البشر مستحيلًا وَلَكِن عطر اليقين يدغدغ أنفك ، وإذا وجدت أن سياطَ الأنتظار تُلجِم بقوة بوادِر التأففات الكامنة في نَفسِك ، وأنّ ما يتطلب التفسير لأنه فوقَ قدراتك البشرية علي الفَهْم والاستيعاب كإبن بار لآدم وبالرغم من ذَلِك لا تبحث عَن الإجابات التي تفرضها المجريات ، فكن على يقينٍ أن هناك يد خفية هي يدُ الله الحنية تقويك وتعينك وتحسِن تربيتك.

وإذا كانت ثومة لم تستمع للنصيحة عندما وصفوا لها الصبر فوجدته دربًا من الخيال ، فلنتعلم من أخطاء السابقين، لأن لو كان فيه خيرًا لكانت لياليهم الحلوة في كل مكان كفيلة ببلسمةِ جراحها و تضميد ألمها !


لذا فلتكُن نصيحة علي أبن أبي طالب رضي الله عنه نصب أعيننا "سأصبر حتى يعجز الصبر"...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط