الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أن تعيش ميتا!!!


في محاولة منه للتأكد من أن ما حوله حقيقى وبأنه على قيد الحياة، صرخ بصوت عال وبكل قوة ولكن لم يجبه أحد وظل كما هو فى مكانه وحيدا بلا خلان ..

كرر المحاولة مرات عديدة حتى يئس من التكرار والمناداة وركن الى احدى الحوائط ينظر من خلالها على العالم الذى يراه محاطا بألف نافذة وباب وكلما حاول ان يفتح نافذة او يخرج من باب يعود من حيث أتى ويعاد عليه الدور وتتكرر المشاهد وأصناف ما لم يعرف عنها أى شىء ومتى بدأت وهل لها من نهاية او اسدال لستار.

ولكى يخرج من حالة الوحدة والإحساس بصفريته أعاد على نفسه تاريخ عمره لعله يخرج منه بحكمة تأخذه لطريق النجاة ..

بدأ بذاكرته من الصغر حينما كان طفلا فقيرا لأب وأم لا يعرفان من سر الحياة سوى الانجاب وباقى مراسم الدنيا من أكل وشرب ونوم .. لم يكن وحيدا بل كان واحدا ضمن فريق كبير من الاخوة والاخوات، يعود بذاكرته الى الوراء ويتذكر وفاة أبيه تاركا جيشا من الأبناء وأما وأهلا يتصارعون على امتلاك أمرهم والتنصل من مسئوليتهم، وربما الايحاء للأرملة بأن تترك أبناءها لأهلهم وتتزوج هى وتنسى هموم هذا الكم من الاعياء.

تتواصل ذاكرته ويرى اخوته يتسللون واحدا تلو الاخر للعمل وجلب الاموال وأيضا يرى اما تتغير حياتها بتغير حال ابنائها من الفقر المدقع الى شىء من الاكتفاء، وهو ايضا يستعيد بذاكرته حياته منذ ان كرس علمه وعمله ان يكون من المرموقين العظماء وتقفز هى الى ذاكرته وتؤكد له دورها منذ ان التقاها وكان لا يملك شيئا سوى الامنيات والاحلام ويحاول جاهدا ان يبعدها عن ذاكرته ولكنها تفرض نفسها عليه وتقص عليه حديث الصباح والمساء، وعن عمر عاشته له ولم تطمع بأى مقابل سوى الوفاء، وعبثا حاول ان يحجمها فى ذاكرته ولكن ذكراها تتواصل وحسناتها تتكاثر وترفض ان تستمع لصوته الرافض الاعتراف بأهل الخير فى حياته وأصحاب المآثر والصفات والذكريات .

يصل فى سلسلة ذكرياته الى مرحلة العلو والازدهار والتألق وامتلاك كل ما فى الحياة من مال ومنصب وعز وجاه وعافية وغيرها من محاسن الدنيا جعلته يتأفف من تكملة مشوار العيش والحياة مع من كانت معها كل البدايات،لايثنيه عن عزمه شىء ولا يرجعه عن قراره اى من مجريات العمر ولا مصائب الحياة ويصر على ان ينهل من الدنيا اكثر وأكثر ينسى به بدايات الفقر والعوز وكل من كانوا له سندا وظهرا ووهبوه الحياة ..

لا يدرى كم مضى من عمره وهو على هذه الحال، كل ما يعلمه انه لا يعرف حقيقة وضعه الان هل هو على قيد الحياة أم بين الاموات ..تتوقف ذاكرته وسط إلحاحه عليها بأن تخبره كيف وصل الى هذه المرحلة ومن الذى وضعه خلف كل هذه الاسوار ؟!!

لا تجيبه الذاكرة ولا يعرف شيئا عما ألم به وما أصبح عليه من تشتت وشتات، يسأل نفسه عن عمره وعن صولجانه ومجده وعن ثرائه وتعاليه وعلوه !! أين هم ؟ بل أين انا من هذه الوضعية وإلى متى يستمر ما أنا فيه وأين الحياة ..

لا يدرى ماذا يفعل وكيف يخرج من أسره ولا كيف يعيد الى حياته حياة..كل مرة يرغب فى اعادة يوم واحد من عمره يتوقف فيه عن ظلمه لمن وهبته الحياة ، ولكنه لايدرى ماذا حدث لها وهل ما هو فيه تكفير عن كفره بحقها عليه وبأن قابل ايمانها بوجوده وتفوقه بمحوها من ذكراه؟ وتحريم ما أحله لنفسه عليها ووضعها فى خانة اللا والف لا..

الآن وفى سجنه النفسى ترتفع اسوار ظلمه وتغلق عليه كل منافذ الحياة وتتركه ميتا من داخله وتنطبق عليه سوءاته ومظالمه فتحصره فى خانة من يتلهف للمغفرة ولكن بعد فوات الاوان ..

كل ما يشعر به يزيده يأسا وخاصة ما جد عليه من وهن وضعف وتيبس فى اوتار الحياة.. لم يتبق معه سوى نفس مريضة بإنكار فضل من وهبوه الحياة ومعها اشخاص يتذكرهم ويسترجع بعضا من كلمات اوهموه بها بأنه واهب الرزق ومانح الغيث ومعطى المال والثوب والستر والعطايا والعطاء، بينه وبين نفسه يطمح بأن قول الناس عنه بأنه رجل معطاء لايبخل بالتوزيع والتنويع على مريديه وكل من وقعت عليه عيناه طامحا بأن يكون هذا المنح سترا على خطاياه ومنعا من الزلزلة اذا ما انتهت الحياة..

وفى خضم كل هذه الاسطورة تنعم هى فى جنة لصبرها على البلوى والابتلاء بينما هو فى قبره ينادى بصخب انا لم أمت افتحوا لى الابواب وكسروا النوافذ فأنا اريد ان أواصل حياتى التى لم اشبع منها، أنا أرغب فى العيش وأخاف من الموت واعشق الحياة ،ينادى دوما ولا يجيبه أحد وهل يستجاب لمن فقد معانى الحياة!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط