الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليس كل عمرو ابن عاص!!


قيل فى الموروثات الأدبية وحكوا عن من بيده تصريف شئون مملكة قديمة لم يذكروا اسمها ولا وطنها، وإن قالوا إنها فى دولة كانت فاضلة على مدى عصور سابقة، قالوا إن هذا الحاكم الذى ورث ملكه عن أبيه لجده الذى كان الإرث يتواصل من أقدم الجدود إلى أحفاد الأحفاد حتى وصل إليه، وصار مسئولا عن مملكة كانت تنعم بسلام تتفرد فيه.

مضى حاكمنا هذا فى حكمه سنوات بذل فيها كل ما يستطيع من أجل إسعاد شعبه، ونيل رضاه وإرضائه، كما تفانى فى إسعادهم كلهم ولكل طريقة فى إرضائه وتراضيه.

ويقولون إن الحاكم وهو يتخفى ويتجسس على شئون مواطنيه؛ وجد ما يشبه الفيروس قد سرى فى شعبه وغير كل شئون حياته، وبدَّل ما تربوا عليه، وجد آفة استشرت وكان اسمها قلة الأصل، وتداعيات ما بعد الشبع بعد طول جوع، وعلو وتعالٍ وتيه، ملاحظاته نمت يوما بعد يوم لتكمل شهورا اقتربت من أن تصبح سنة، أحدثت فجوة بين المواطنين

فقلة الأصل تبعها بالطبع النفاق، والزيف، والفساد، وخروج المعنى الأخلاقى عما ينبغى أن يكون عليه، وجد هذا الحاكم المأسوف على ما أصبح فيه وعليه، وجد نبرة الإفك علت، وطعم الذل صار يمارسه قليل الأصل على أصحاب الأصول الذين وإن لم يسكنوا قصورا إلا أنهم بعزتهم متمسكين.

وبعد تفكير وتمحيص وربما قرار لا رجعة فيه، نادى الحاكم ببوق غلامه، إنه من الغد القصر أبوابه مفتوحة على مصراعيها لأخذ الشكاوى، والتبيلغ عن كل من بلا أصل، ولا أدب، ولا حسب، ولا رصيد أخلاقى يحميه ويأويه. نادى الغلام أول يوم ولم يجد الملك أيا من شعبه الذى كان يشكو خفية وجهرا من قلة أصل فلان وتعاليه، ومحاولته نسيان وتناسى قليل الأصل أى ماضٍ يذكر جيرانه به، ويقول لهم إنه كان فى القدم لا يملك مايتباهى حاليا به وفيه.

احتار الحاكم وطلب من غلامه أن يضيف فى ندائه طمأنة الحاكم بسرية المعلومات المبلغة عن كل قليل الأصل عديم الأخلاق والمروءة والتعالى والتيه، ونادى المنادى كما قال له حاكمه، ولكن لم يستجب له، ولم يطرق باب القصر أي من المواطنين.

تخفى الحاكم كسابق عهده ليعرف مما يخاف شعبه، ولماذا لا يبلغون عمن أفسد منظومة الحكم بتعاليه وموروث قلة الأصل فيه، وتحسس الحاكم وتجسس وفعل كل ما يجعله يعرف الذى عنه شعبه يخفيه، وواصل سعيه من أول مملكته وملكه لآخر شبر فيها وفيه، ولم يكن مصدقا لما سمعه من همس شعبه وحديثهم فى ليل المملكة وصبحها وعلانيتها وسرها وربما فى أحلامهم ونجواهم وفى ساعات النهار ولياليه، وجدهم كلهم وقد اتفقوا على استسلامهم لجبروت قليل الأصل مادام بأمواله يرضيهم ويسكتهم ويخرس ألسنتهم عن قول أى شىء فيه، ولعجبه فقد عرف أن من كان يراهم الشعب ويصفهم بالسفهاء والأغبياء أصحاب مال بلا أصل ولا موروث عز أخلاقى يغنيه، وجدهم وقد مارسوا على شعبه لعبة من يوضيك كمن..

حزن الملك لما آل إليه حال مملكته ولما أصبح شعبه فيه، وأصدر حكما بأن ينفى شعبه كله بلا تمييز، ولا فرز، ولا تمحيص، ولا تفحيص، وأيضا لم يكن حزينا على القلة الأصيلة التى ارتضت لنفسها تحكم الأغلبية فيها بغشم وتيه، ويقولون إن هذه الشعوب المنفاة إلى كل بقاع الأرض تشرذمت وفى كل بلد عاش منها فيلق وفريق، ويتحدثون أيضا عن أن هذا الملك كان نسله قليلا وأصبحوا يعيشون على استحياء فى بلاد الدنيا وهم من الآخرين الأغلبية خائفون، وذكر أيضا أن ملك قصتنا هذه مات تعسا ولم يجد شيئا فى دنياه ينسيه مرارة معرفة أن هناك بشرا يستأنسون بالذل ويفرحون بتحكم قليلي الأصل فيهم وربما فيه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط