الشهيد جول جمال.. عنوان البطولة السورية في الدفاع عن مصر ضد العدوان الثلاثي
"عندما أرى شوارع الإسكندرية كأنني أرى اللاذقية، وفي وقت المعركة لا فرق بين مصري وسوري".
بهذه العبارة وهذا المنطق، أقنع الملازم بحري الشاب السوري جول جمال قائده المصري الصاغ (الرائد) جلال الدسوقي بمغالبة تردده، والموافقة على مشاركة الضابط السوري حديث التخرج تطوعًا في المعارك البحرية لصد العدوان الثلاثي على مصر في 1956، بالمخالفة للقوانين العسكرية التي تمنع مشاركة الأجانب في دوريات بحرية.
لم يعتبر جول جمال نفسه أجنبيًا غريبًا في الإسكندرية، وشبهها بأحب البقاع إلى قلبه؛ مسقط رأسه باللاذقية على الساحل السوري، حيث جاور البحر طوال سنوات طفولته وصباه، وقُدر له أن تنتهي حياته في البحر الأبيض ذاته، دفاعًا عن مصر التي اعتبرها وطنه الثاني.
والمتتبع لسيرة الشهيد جول جمال، المولود باللاذقية لأسرة مسيحية أرثوذكسية في 1 أبريل 1932، يدرك أن قدره كان مرسومًا بدقة ليُتوج بلحظة استشهاده، فقد كان مساره الدراسي الأكاديمي بعيدًا كل البعد عن الجيوش والحروب، حين التحق بالدراسة في كلية الآداب بالجامعة السورية، ليتركها عام 1953 بسبب اختياره مع تسعة آخرين لبعثة دراسية بالكلية البحرية المصرية.
وفي محطة أخرى من قصته، تصدر جول جمال أوائل دفعته الحاصلين على بكالوريوس الدراسات البحرية في مايو 1956 ليتخرج برتبة ملازم ثان، قبل أقل من شهرين على إعلان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، الذي أشعل جنون القوى الأوروبية واستفزها لشن العدوان الثلاثي على مصر، بينما كان الضابط السوري الشاب يتهيأ للعودة إلى بلاده.
ومن تصاريف القدر أن قُرر استبقاء الملازم جول جمال وزملائه من البعثة السورية للتدرب على زوارق طوربيد اشترتها مصر حديثًا وقتها.
وفي ليلة الرابع من نوفمبر، في ذروة عنف معارك العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر، التقطت أجهزة البحرية المصرية بثًا من السفينة الفرنسية جان بار، كشف اقترابها من سواحل بورسعيد، مكلفة بإكمال مهمة القصف الذي حولها إلى مدينة أشباح.
وكانت السفينة جان بار فخر البحرية الفرنسية، إذ كانت أول سفينة مزودة برادار في العالم، وكانت تفرض تحديًا استفز الضابط السوري الشاب، ودفعه لعرض التطوع للخروج في دورية والاشتباك معها على قائده الصاغ جلال الدسوقي، الذي لم يجد مفرًا من الموافقة أمام إصرار جول جمال، ومنطقه العروبي.
ولئن غيّب الموت البطل السوري في زهرة شبابه تلك الليلة، فإنه لم ينل الشهادة سوى بعد شل وإسكات جوهرة البحرية الفرنسية جان بار، المجهزة بـ 109 مدفعًا من مختلف العيارات.
أنتجت السينما المصرية فيلم "عمالقة البحار" لتخليد بطولة الشهيد جول جمال، وأسندت دور البطولة فيه لشقيقه عادل جمال، ومُنح اسمه عدة أوسمة عسكرية مصرية وسورية، وقرر الزعيم جمال عبد الناصر بنفسه تكريم اسمه بوسام النجمة العسكرية.
وأُطلق اسم الشهيد جول جمال على شوارع عدة، منها شارع بحي المهندسين بمحافظة الجيزة، وآخر بالإسكندرية، كما سُميت باسمه شوارع في مسقط رأسه باللاذقية وفي مدينة رام الله الفلسطينية.